[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥٦٥ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ حَصْرِ الْفِرِنْجِ دِمْيَاطَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي صَفَرَ، نَزَلَ الْفِرِنْجُ عَلَى مَدِينَةِ دِمْيَاطَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَحَصَرُوهَا، وَكَانَ الْفِرِنْجُ بِالشَّامِ، لَمَّا مَلَكَ أَسَدُ الدِّينِ شِيرِكُوهْ مِصْرَ، قَدْ خَافُوهُ، وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ، وَكَاتَبُوا الْفِرِنْجَ الَّذِينَ بِصِقِلِّيَةَ وَالْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهِمَا يَسْتَمِدُّونَهُمْ وَيُعَرِّفُونَهُمْ مَا تُجِدِّدَ مَنْ مُلْكِ الْأَتْرَاكِ مِصْرَ، وَأَنَّهُمْ خَائِفُونَ عَلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ مِنْهُمْ، فَأَرْسَلُوا جَمَاعَةً مِنَ الْقُسُوسِ وَالرُّهْبَانِ يُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْحَرَكَةِ، فَأَمَدُّوهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالرِّجَالِ وَالسِّلَاحِ، وَاتَّعَدُوا لِلنُّزُولِ عَلَى دِمْيَاطَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا، وَيَتَّخِذُونَهَا ظَهْرًا يَمْلِكُونَ بِهِ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: ٢٥] فَإِلَى أَنْ دَخَلُوا كَانَ أَسَدُ الدِّينِ قَدْ مَاتَ وَمَلَكَ صَلَاحُ الدِّينِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهَا، وَحَصَرُوهَا، وَضَيَّقُوا عَلَى مَنْ بِهَا.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا صَلَاحُ الدِّينِ الْعَسَاكِرَ فِي النِّيلِ وَحَشَرَ فِيهَا كُلَّ مَنْ عِنْدَهُ، وَأَمَدَّهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ وَالذَّخَائِرِ، وَأَرْسَلَ إِلَى نُورِ الدِّينِ يَشْكُو مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمَخَافَةِ، وَيَقُولُ: إِنِّي إِنْ تَأَخَّرْتُ عَنْ دِمْيَاطَ مَلَكَهَا الْفِرِنْجُ، وَإِنْ سِرْتُ إِلَيْهَا خَلَّفَنِي الْمِصْرِيُّونَ فِي أَهْلِهَا وَأَمْوَالِهَا بِالشَّرِّ، وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَتِي، وَسَارُوا فِي أَثَرِي، وَالْفِرِنْجُ مِنْ أَمَامِي، فَلَا يَبْقَى لَنَا بَاقِيَةٌ.
فَسَيَّرَ نُورُ الدِّينِ الْعَسَاكِرَ إِلَيْهِ أَرْسَالًا يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا، ثُمَّ سَارَ هُوَ بِنَفْسِهِ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ الشَّامِيَّةِ، فَنَهَبَهَا، وَأَغَارَ عَلَيْهَا وَاسْتَبَاحَهَا، فَوَصَلَتِ الْغَارَاتُ إِلَى مَا لَمْ تَكُنْ تَبْلُغُهُ قَبْلُ لِخُلُوِّ الْبِلَادِ مِنْ مَانَعٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute