[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ]
٣٣٢ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ
ذِكْرُ مَسِيرِ الْمُتَّقِي إِلَى الْمَوْصِلِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أُصْعِدَ الْمُتَّقِي لِلَّهِ إِلَى الْمَوْصِلِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ سِعَايَةِ ابْنِ مُقْلَةَ وَالتُّرْجُمَانِ مَعَ الْمُتَّقِي بِتُوزُونَ وَابْنِ شَيْرَزَادَ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ شَيْرَزَادَ وَصَلَ خَامِسَ الْمُحَرَّمِ إِلَى بَغْدَاذَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ غُلَامٍ جَرِيدَةً، فَازْدَادَ خَوْفُ الْمُتَّقِي، وَأَقَامَ بِبَغْدَاذَ يَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَلَا يُرَاجِعُ الْمُتَّقِي فِي شَيْءٍ.
وَكَانَ الْمُتَّقِي قَدْ أَنْفَذَ يَطْلُبُ مِنْ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ إِنْفَاذَ جَيْشٍ إِلَيْهِ لِيَصْحَبُوهُ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَأَنْفَذَهُمْ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَمْدَانَ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى بَغْدَاذَ نَزَلُوا بِبَابِ حَرْبٍ، وَاسْتَتَرَ ابْنُ شَيْرَزَادَ، وَخَرَجَ الْمُتَّقِي إِلَيْهِمْ فِي حَرَمِهِ، وَأَهْلِهِ، وَوَزِيرِهِ، وَأَعْيَانِ بَغْدَاذَ، مِثْلِ سَلَامَةَ الطُّولُونِيِّ، وَأَبِي زَكَرِيَّاءَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ السُّوسِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْمَارَدَانِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْقَرَارِيطِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُوسَوِيِّ، وَثَابِتِ بْنِ سِنَانَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قُرَّةَ الطَّبِيبِ، وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَنَالَ التُّرْجُمَانِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَلَمَّا سَارَ الْمُتَّقِي مِنْ بَغْدَاذَ، ظَلَمَ ابْنُ شَيْرَزَادَ النَّاسَ وَعَسَفَهُمْ وَصَادَرَهُمْ، وَأَرْسَلَ إِلَى تُوزُونَ وَهُوَ بِوَاسِطَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَ تُوزُونَ الْخَبَرُ، عَقَدَ ضَمَانَ وَاسِطَ عَلَى الْبَرِيدِيِّ وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ، وَسَارَ إِلَى بَغْدَاذَ وَانْحَدَرَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ وَحْدَهُ إِلَى الْمُتَّقِي لِلَّهِ بِتَكْرِيتَ، فَأَرْسَلَ الْمُتَّقِي (إِلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ يَسْتَدْعِيهِ وَيَقُولُ لَهُ: لَمْ يَكُنِ الشَّرْطُ مَعَكَ إِلَّا أَنْ تَنْحَدِرَ إِلَيْنَا، فَانْحَدَرَ، فَوَصَلَ إِلَى تَكْرِيتَ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَرَكِبَ الْمُتَّقِي إِلَيْهِ، فَلَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَأَكْرَمَهُ.
وَأَصْعَدَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَأَقَامَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بِتَكْرِيتَ، وَسَارَ تُوزُونُ نَحْوَ تَكْرِيتَ، فَالْتَقَى هُوَ وَسَيْفُ الدَّوْلَةِ بْنُ حَمْدَانَ تَحْتَ تَكْرِيتَ بِفَرْسَخَيْنِ، فَاقْتَتَلُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ انْهَزَمَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَغَنِمَ تُوزُونُ وَالْأَعْرَابُ سَوَادَهُ وَسَوَادَ أَخِيهِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، وَعَادَا مِنْ تَكْرِيتَ إِلَى الْمَوْصِلِ وَمَعَهُمَا الْمُتَّقِي لِلَّهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute