للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذِكْرُ أَخْبَارِ مُلُوكِ الْفُرْسِ بَعْدَ الْإِسْكَنْدَرِ وَهُمْ مُلُوكُ الطَّوَائِفِ]

لَمَّا مَاتَ الْإِسْكَنْدَرُ مَلَكَ بِلَادَ الْفُرْسِ بَعْدَهُ مُلُوكُ الطَّوَائِفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ السَّبَبِ فِي تَمْلِيكِهِمْ.

وَقِيلَ: كَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِسْكَنْدَرَ لَمَّا مَلَكَ بِلَادَ الْفُرْسِ وَوَصَلَ إِلَى مَا أَرَادَ كَتَبَ إِلَى أَرِسْطَاطَالِيسَ الْحَكِيمِ: إِنِّي قَدْ وَتَرْتُ جَمِيعَ مَنْ فِي بِلَادِ الْمَشْرِقِ وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَتَّفِقُوا بَعْدِي عَلَى قَصْدِ بِلَادِنَا وَإِيذَاءِ قَوْمِنَا، وَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَقْتُلَ أَوْلَادَ مَنْ قَتَلْتُ مِنَ الْمُلُوكِ وَأُلْحِقُهُمْ بِآبَائِهِمْ، فَمَا تَرَى؟

فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ إِنْ قَتَلْتَ أَبْنَاءَ الْمُلُوكِ أَفْضَى الْمُلْكُ إِلَى السُّفْلِ وَالْأَنْذَالِ، وَالسُّفْلُ إِذَا مَلَكُوا قَدَرُوا، وَإِذَا قَدَرُوا طَغَوْا وَبَغَوْا وَظَلَمُوا، وَمَا يُخْشَى مِنْ مَعَرَّتِهِمْ أَكْثَرُ، وَالرَّأْيُ أَنْ تَجْمَعَ أَبْنَاءَ الْمُلُوكِ فَتُمَلِّكُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَلَدًا وَاحِدًا وَكُورَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُومُ فِي وَجْهِ الْآخَرِ يَمْنَعُهُ عَنْ بُلُوغِ غَرَضِهِ خَوْفًا عَلَى مَا بِيَدِهِ فَتَتَوَلَّدُ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ فَيَشْتَغِلُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَلَا يَتَفَرَّغُونَ إِلَى مَنْ بَعُدَ عَنْهُمْ.

فَعِنْدَهَا قَسَّمَ الْإِسْكَنْدَرُ بِلَادَ الْمَشْرِقِ عَلَى مُلُوكِ الطَّوَائِفِ وَنَقَلَ عَنْ بُلْدَانِهِمُ النُّجُومَ وَالْحِكْمَةَ، وَكَانَ مِنْ حَالِهِمْ بَعْدَ الْإِسْكَنْدَرِ مَا ذَكَرَهُ أَرِسْطَاطَالِيسُ، وَاشْتَغَلُوا عَنْ قَصْدِ الْيُونَانِ.

وَكَانَ أَرِسْطَاطَالِيسُ مِنْ أَفْضَلِ الْحُكَمَاءِ وَأَعْلَمِهِمْ، وَكَانَ الْإِسْكَنْدَرُ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ وَأَخَذَ الْحِكْمَةَ عَنْ أَفْلَاطُونَ تِلْمِيذِ سُقْرَاطَ، وَسُقْرَاطُ تِلْمِيذُ أُوسِيَلَاوُسَ فِي الطَّبِيعِيَّاتِ دُونَ غَيْرِهَا، وَمَعْنَاهُ رَأْسُ السِّبَاعِ، وَكَانَ أُوسِيَلَاوُسُ تِلْمِيذَ أَنْكِسَاغُورَسَ، إِلَّا أَنَّ أَرِسْطَاطَالِيسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>