[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥١٧ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ ذِكْرُ مَسِيرِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ لِحَرْبِ دُبَيْسٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ، وَبَيْنَ دُبَيْسِ بْنِ صَدَقَةَ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ دُبَيْسًا أَطْلَقَ عَفِيفًا خَادِمَ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ مَأْسُورًا عِنْدَهُ، وَحَمَّلَهُ رِسَالَةً فِيهَا تَهْدِيدٌ لِلْخَلِيفَةِ بِإِرْسَالِ الْبُرْسُقِيِّ إِلَى قِتَالِهِ، وَتَقْوِيَتِهِ بِالْمَالِ، وَأَنَّ السُّلْطَانَ كَحَلَ أَخَاهُ، وَبَالَغَ فِي الْوَعِيدِ، وَلَبِسَ السَّوَادَ، وَجَزَّ شَعْرَهُ، وَحَلَفَ لَيَنْهَبَنَّ بَغْدَاذَ، وَيُخَرِّبَهَا، فَاغْتَاظَ الْخَلِيفَةُ لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَغَضِبَ، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْبُرْسُقِيِّ بِالتَّبْرِيزِ إِلَى حَرْبِ دُبَيْسٍ، فَبَرَزَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ.
وَتَجَهَّزَ الْخَلِيفَةُ، وَبَرَزَ مِنْ بَغْدَاذَ، وَاسْتَدْعَى الْعَسَاكِرَ، فَأَتَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُهَارِشَ، صَاحِبُ الْحَدِيثَةِ، فِي عُقَيْلٍ، وَأَتَاهُ قِرْوَاشُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَأَرْسَلَ دُبَيْسًا إِلَى نَهْرِ مَلِكٍ فَنَهْبَ، وَعَمِلَ أَصْحَابُهُ كُلَّ عَظِيمٍ مِنَ الْفَسَادِ فَوَصَلَ أَهْلُهُ إِلَى بَغْدَاذَ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ فَنُودِيَ بِبَغْدَاذَ: لَا يَتَخَلَّفُ مِنَ الْأَجْنَادِ أَحَدٌ، وَمَنْ أَحَبَّ الْجُنْدِيَّةَ مِنَ الْعَامَّةِ فَلْيَحْضُرْ، فَجَاءَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَفَرَّقَ فِيهِمُ الْأَمْوَالَ وَالسِّلَاحَ.
فَلَمَّا عَلِمَ دُبَيْسٌ الْحَالَ كَتَبَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَسْتَعْطِفُهُ وَيَسْأَلُهُ الرِّضَا عَنْهُ، فَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ، وَأُخْرِجَتْ خِيَامُ الْخَلِيفَةِ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَنَادَى أَهْلُ بَغْدَاذَ: النَّفِيرَ النَّفِيرَ، الْغَزَاةَ الْغَزَاةَ! وَكَثُرَ الضَّجِيجُ مِنَ النَّاسِ، وَخَرَجَ مِنْهُمْ عَالَمٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَبَرَزَ الْخَلِيفَةُ رَابِعَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَبَرَ دِجْلَةَ، وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ أَسْوَدٌ، وَعِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَطَرْحَةٌ، وَعَلَى كَتِفِهِ الْبُرْدَةُ، وَفِي يَدِهِ الْقَضِيبُ، وَفِي وَسَطِهِ مِنْطَقَةُ حَدِيدٍ صِينِيِّ، وَنَزَلَ الْخِيَامَ وَمَعَهُ وَزِيرُ نِظَامِ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ نِظَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute