[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ]
٣٥٤ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ الرُّومِ عَلَى الْمَصِّيصَةِ وَطَرَسُوسَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَتَحَ الرُّومُ الْمَصِّيصَةَ وَطَرَسُوسَ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نِقْفُورَ مَلِكَ الرُّومِ بَنَى بِقَيْسَارِيَّةَ مَدِينَةً لِيَقْرُبَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَأَقَامَ بِهَا، وَنَقَلَ أَهْلَهُ إِلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَهْلُ طَرَسُوسَ وَالْمَصِّيصَةَ (يَبْذُلُونَ لَهُ إِتَاوَةً) ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يُنْفِذَ إِلَيْهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِهِ يُقِيمُ عِنْدَهُمْ، فَعَزَمَ عَلَى إِجَابَتِهِمْ إِلَى ذَلِكَ.
فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِأَنَّهُمْ قَدْ ضَعُفُوا وَعَجَزُوا، وَأَنَّهُمْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ، وَأَنَّ الْغَلَاءَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ عَجَزُوا عَنِ الْقُوتِ، وَأَكَلُوا الْكِلَابَ وَالْمَيْتَةَ، وَقَدْ كَثُرَ فِيهِمُ الْوَبَاءُ، فَيَمُوتُ مِنْهُمْ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثُمِائَةِ نَفْسٍ، فَعَادَ نَقْفُورُ عَنْ إِجَابَتِهِمْ، وَأَحْضَرَ الرَّسُولَ وَأَحْرَقَ الْكِتَابَ عَلَى رَأْسِهِ، وَاحْتَرَقَتْ لِحْيَتُهُ، وَقَالَ لَهُمْ: أَنْتُمْ كَالْحَيَّةِ، فِي الشِّتَاءِ تُخَدَّرُ وَتَذْبُلُ حَتَّى تَكَادَ تَمُوتُ، فَإِنْ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَأَحْسَنَ إِلَيْهَا وَأَدْفَأَهَا، انْتَعَشَتْ وَنَهَشَتْهُ، وَأَنْتُمْ إِنَّمَا أَطَعْتُمْ لِضَعْفِكُمْ، وَإِنْ تَرَكْتُكُمْ حَتَّى تَسْتَقِيمَ أَحْوَالُكُمْ، تَأَذَّيْتُ بِكُمْ.
وَأَعَادَ الرَّسُولَ، وَجَمَعَ جُيُوشَ الرُّومِ، وَسَارَ إِلَى الْمَصِّيصَةِ بِنَفْسِهِ، فَحَاصَرَهَا وَفَتَحَهَا عَنْوَةً (بِالسَّيْفِ يَوْمَ السَّبْتِ ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ) ، وَوَضَعَ السَّيْفَ فِيهِمْ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، ثُمَّ رَفَعَ السَّيْفَ وَنَقَلَ كُلَّ مَنْ بِهَا إِلَى بَلَدِ الرُّومِ، كَانُوا نَحْوَ مِائَتَيْ أَلْفِ إِنْسَانٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute