للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذِكْرُ غَزْوَةِ السَّوِيقِ]

كَانَ أَبُو سُفْيَانَ قَدْ نَذَرَ بَعْدَ بَدْرٍ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ مُحَمَّدًا، فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ لِيُبِرَّ يَمِينَهُ حَتَّى جَاءَ الْمَدِينَةَ لَيْلًا، وَاجْتَمَعَ بِسَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ سَيِّدِ النَّضِيرِ، فَعَلِمَ مِنْهُ خَبَرَ النَّاسِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي لَيْلَتِهِ فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَوُا الْعُرَيْضَ فَحَرَّقُوا فِي نَخْلِهَا، وَقَتَلُوا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ، وَاسْمُ الْأَنْصَارِيِّ مَعْبَدُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَادُوا، وَرَأَى أَنْ قَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ. وَجَاءَ الصَّرِيخُ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَأَعْجَزَهُمْ.

وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ يُلْقُونَ جُرُبَ السَّوِيقِ يَتَخَفَّفُونَ مِنْهَا لِلنَّجَاةِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَامَّةَ زَادِهِمْ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ غَزْوَةُ السَّوِيقِ.

وَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَتَجَهَّزُ:

كُرُّوا عَلَى يَثْرِبٍ وَجَمْعِهِمْ ... فَإِنَّ مَا جَمَعُوا لَكُمْ نَفَلُ

إِنْ يَكُ يَوْمُ الْقَلِيبِ كَانَ لَهُمْ ... فَإِنَّ مَا بَعْدَهُ لَكُمْ دُوَلُ

آلَيْتُ لَا أَقْرَبُ النِّسَاءِ وَلَا ... يَمَسُّ رَأْسِي وَجِلْدِي الْغُسُلُ

حَتَّى تُبِيرُوا قَبَائِلَ الْأَوْسِ ... وَالْخَزْرَجِ، إِنَّ الْفُؤَادَ يَشْتَعِلُ

فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ:

يَا لَهْفَ أُمِّ الْمُسَبِّحِينَ عَلَى ... جَيْشِ ابْنِ حَرْبٍ بِالْحَرَّةِ الْفَشِلِ

إِذْ يَطْرَحُونَ الرِّجَالَ مَنْ سَئِمَ الطَّيْ ... رَ تَرَقَّى لِقُنَّةِ الْجَبَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>