للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ أَنِ اسْتَنْفَذَ الْجُنْدَ الَّذِينَ بِفَارِسَ وَنُزُولِهِمُ الْبَصْرَةَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى النَّاسِ أَبَا سَبْرَةَ بْنَ أَبِي رُهْمٍ بِالْبَصْرَةِ، فَأَقَرَّهُ عُمَرُ بَقِيَّةَ السَّنَةِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَنْتَقِضْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرَةَ. ثُمَّ اسْتَعْمَلَ أَبَا مُوسَى عَلَى الْبَصْرَةِ، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكُوفَةِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ عُمَرَ بْنَ سُرَاقَةَ، ثُمَّ صُرِفَ ابْنُ سُرَاقَةَ إِلَى الْكُوفَةِ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَصُرِفَ أَبُو مُوسَى مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَعَمِلَ عَلَيْهَا ثَانِيَةً.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وِلَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ الْبَصْرَةَ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.

[ذكر عَزْلِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْبَصْرَةِ وَوِلَايَةِ أَبِي مُوسَى]

فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عُمَرُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنِ الْبَصْرَةِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا أَبَا مُوسَى، وَأَمَرَهُ أَنْ يُشْخِصَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ; قَالَهُ الْوَاقِدِيٌّ.

وَكَانَ سَبَبُ عَزْلِهِ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مُنَافَرَةٌ، وَكَانَا مُتَجَاوِرَيْنِ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ، وَكَانَا فِي مَشْرَبَتَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُوَّةٌ مُقَابِلَةُ الْأُخْرَى، فَاجْتَمَعَ إِلَى أَبِي بَكْرَةَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي مَشْرَبَتِهِ، فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَفَتَحَتْ بَابَ الْكُوَّةِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرَةَ لِيَسُدَّهُ، فَبَصُرَ بِالْمُغِيرَةِ وَقَدْ فَتَحَتِ الرِّيحُ بَابَ كُوَّةِ مَشْرَبَتِهِ، وَهُوَ بَيْنَ رِجْلَيِ امْرَأَةٍ، فَقَالَ لِلنَّفَرِ: قُومُوا فَانْظُرُوا. فَقَامُوا فَنَظَرُوا، وَهُمْ أَبُو بَكْرَةَ وَنَافِعُ بْنُ كَلَدَةَ وَزِيَادُ بْنُ أَبِيهِ، وَهُوَ أَخُو أَبِي بَكْرَةَ لِأُمِّهِ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ الْبَجَلِيُّ، فَقَالَ لَهُمْ: اشْهَدُوا، قَالُوا: وَمَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أَمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ الْأَفْقَمِ، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَكَانَتْ تَغْشَى الْمُغِيرَةَ وَالْأُمَرَاءَ، وَكَانَ بَعْضُ النِّسَاءِ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ فِي زَمَانِهَا، فَلَمَّا قَامَتْ عَرَفُوهَا. فَلَمَّا خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إِلَى الصَّلَاةِ مَنَعَهُ أَبُو بَكْرَةَ وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ، فَبَعَثَ عُمَرُ أَبَا مُوسَى أَمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ وَأَمَرَهُ بِلُزُومِ السُّنَّةِ، فَقَالَ: أَعِنِّي بِعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَالْمِلْحِ. قَالَ لَهُ: خُذْ مَنْ أَحْبَبْتَ. فَأَخَذَ مَعَهُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا، مِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَهِشَامُ بْنُ عَامِرٍ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ فَقَدِمَ الْبَصْرَةَ، فَدَفَعَ الْكِتَابَ بِإِمَارَتِهِ إِلَى الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ أَوْجَزُ كِتَابٍ وَأَبْلَغُهُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَبَعَثْتُ أَبَا مُوسَى أَمِيرًا، فَسَلِّمْ إِلَيْهِ مَا فِي يَدِكَ وَالْعَجَلَ. فَأَهْدَى إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ وَلِيدَةً تُسَمَّى عَقِيلَةَ.

وَرَحَلَ الْمُغِيرَةُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرَةَ وَالشُّهُودُ، فَقَدِمُوا عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: سَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>