بِمَكَانٍ يُدْعَى طَاوُسَ فَقُتِلَ سَوَّارٌ وَالْجَارُودُ.
وَكَانَ خُلَيْدٌ قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُقَاتِلُوا رَجَّالَةً فَفَعَلُوا، فَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، ثُمَّ خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْبَصْرَةَ، وَلَمْ يَجِدُوا إِلَى الرُّجُوعِ فِي الْبَحْرِ سَبِيلًا، وَأَخَذَتِ الْفُرْسُ مِنْهُمْ طُرُقَهُمْ فَعَسْكَرُوا وَامْتَنَعُوا.
وَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ صَنِيعُ الْعَلَاءِ أَرْسَلَ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ يَأْمُرُهُ بِإِنْفَاذِ جُنْدٍ كَثِيفٍ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِفَارِسَ قَبْلَ أَنْ يَهْلَكُوا، وَقَالَ: فَإِنِّي قَدْ أُلْقِيَ فِي رُوعِي كَذَا وَكَذَا نَحْوَ الَّذِي كَانَ، وَأَمَرَ الْعَلَاءَ بِأَثْقَلِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ، تَأْمِيرِ سَعْدٍ عَلَيْهِ.
فَشَخَصَ الْعَلَاءُ إِلَى سَعْدٍ بِمَنْ مَعَهُ، وَأَرْسَلَ عُتْبَةُ جَيْشًا كَثِيفًا فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، فِيهِمْ عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَرْفَجَةُ بْنُ هَرْثَمَةَ، وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَغَيْرُهُمْ، فَخَرَجُوا عَلَى الْبِغَالِ يُجْنِبُونَ الْخَيْلَ، وَعَلَيْهِمْ أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمٍ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَسَارَ بِالنَّاسِ وَسَاحَلَ بِهِمْ، لَا يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ حَتَّى الْتَقَى أَبُو سَبْرَةَ وَخُلَيْدٌ، بِحَيْثُ أُخِذَ عَلَيْهِمُ الطَّرِيقُ عَقِيبَ وَقْعَةِ طَاوُسَ، وَإِنَّمَا كَانَ وَلِيَ قِتَالَهُمْ أَهْلُ إِصْطَخْرَ وَحْدَهُمْ، وَمَنْ شَذَّ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ أَهْلُ إِصْطَخْرَ حَيْثُ أَخَذُوا الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَجَمَعُوا أَهْلَ فَارِسَ عَلَيْهِمْ فَجَاءُوا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَالْتَقَوْا هُمْ وَأَبُو سَبْرَةَ بَعْدَ طَاوُسَ، وَقَدْ تَوَافَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَمْدَادُهُمْ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ سَهْرَكُ، فَاقْتَتَلُوا فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ مَا شَاءُوا، وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي شَرُفَتْ فِيهَا نَابِتَةُ الْبَصْرَةِ، وَكَانُوا أَفْضَلَ نَوَابِتِ الْأَمْصَارِ، ثُمَّ انْكَفَأُوا بِمَا أَصَابُوا، وَكَانَ عُتْبَةُ كَتَبَ إِلَيْهِمْ بِالْحَثِّ وَقِلَّةِ الْعُرْجَةِ، فَرَجَعُوا إِلَى الْبَصْرَةِ سَالِمِينَ.
وَلَمَّا أَحْرَزَ عُتْبَةُ الْأَهْوَازَ وَأَوْطَأَ فَارِسَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فِي الْحَجِّ فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَجَّهُ اسْتَعْفَاهُ فَأَبَى أَنْ يُعْفِيَهُ، وَعَزَمَ عَلَيْهِ لَيَرْجِعَنَّ إِلَى عَمَلِهِ، فَدَعَا اللَّهَ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَمَاتَ فِي بَطْنِ نَخْلَةَ فَدُفِنَ، وَبَلَغَ عُمَرَ مَوْتُهُ، فَمَرَّ بِهِ زَائِرًا لِقَبْرِهِ وَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُكَ لَوْلَا أَنَّهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ. وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا وَلَمْ يَخْتَطَّ فِيمَنِ اخْتَطَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّمَا وَرِثَ وَلَدُهُ مَنْزِلَهُمْ مِنْ فَاخِتَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَ حُبَابٌ مَوْلَاهُ قَدْ لَزِمَ شِيمَتَهُ فَلَمْ يَخْتَطَّ، وَمَاتَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ مُفَارَقَةِ سَعْدٍ، وَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute