سَلَّ سَيْفَهُ نَفَرَ الْفَرَسُ، فَجَذَبَهُ الْمِقْوَدُ فَقَلَبَهُ عَنْهُ، وَتَبِعَهُ الْمُسْلِمُ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَبَاعَهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.
فَلَمَّا رَأَى سَعْدٌ الْفُيُولَ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْكَتَائِبِ وَعَادَتْ لِفِعْلِهَا، أَرْسَلَ إِلَى الْقَعْقَاعِ وَعَاصِمِ ابْنَيْ عَمْرٍو: اكْفِيَانِي الْأَبْيَضَ، وَكَانَتْ كُلُّهَا آلِفَةً لَهُ، وَكَانَ بِإِزَائِهِمَا، وَقَالَ لِحَمَّالٍ وَالرِّبِّيلِ: اكْفِيَانِي الْأَجْرَبَ، وَكَانَ بِإِزَائِهِمَا، فَأَخَذَ الْقَعْقَاعُ وَعَاصِمٌ رُمْحَيْنِ، وَتَقَدَّمَا فِي خَيْلٍ وَرَجْلٍ، وَفَعَلَ حَمَّالٌ وَالرِّبِّيلُ مِثْلَ فِعْلِهِمَا، فَحَمَلَ الْقَعْقَاعُ وَعَاصِمٌ فَوَضَعَا رُمْحَيْهِمَا فِي عَيْنِ الْفِيلِ الْأَبْيَضِ فَنَفَضَ رَأْسَهُ فَطَرَحَ سَائِسَهُ وَدَلَّى مِشْفَرَهُ، فَضَرَبَهُ الْقَعْقَاعُ فَرَمَى بِهِ، وَوَقَعَ لِجَنْبِهِ، وَقَتَلُوا مَنْ كَانَ عَلَيْهِ، وَحَمَلَ حَمَّالٌ وَالرِّبِّيلُ الْأَسَدِيَّانِ عَلَى الْفِيلِ الْآخَرِ فَطَعَنَهُ حَمَّالٌ فِي عَيْنِهِ، فَأَقْعَى ثُمَّ اسْتَوَى، وَضَرَبَهُ الرِّبِّيلُ فَأَبَانَ مِشْفَرَهُ، وَبَصُرَ بِهِ سَائِسُهُ فَبَقَرَ أَنْفَهَ وَجَبِينَهُ بِالطَّبْرَزِينَ، فَأَفْلَتَ الرِّبِّيلُ جَرِيحًا، فَبَقِيَ الْفِيلُ جَرِيحًا مُتَحَيِّرًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، كُلَّمَا جَاءَ صَفَّ الْمُسْلِمِينَ وَخَزُوهُ، وَإِذَا أَتَى صَفَّ الْمُشْرِكِينَ نَخَسُوهُ. وَوَلَّى الْفِيلُ، وَكَانَ يُدْعَى الْأَجْرَبَ، وَقَدْ عَوَّرَ حَمَّالٌ عَيْنَيْهِ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْعَتِيقِ، فَاتَّبَعَتْهُ الْفِيَلَةُ فَخَرَقَتْ صَفَّ الْأَعَاجِمِ، فَعَبَرَتْ فِي أَثَرِهِ، فَأَتَتِ الْمَدَائِنَ فِي تَوَابِيتِهَا، وَهَلَكَ مَنْ فِيهَا. فَلَمَّا ذَهَبَتِ الْفِيَلَةُ وَخَلَصَ الْمُسْلِمُونَ وَالْفُرْسُ، وَمَالَ الظِّلُّ، تَزَاحَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَاجْتَلَدُوا حَتَّى أَمْسَوْا وَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ. فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ اشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ فَخَرَجَا عَلَى السَّوَاءِ.
[ذِكْرُ لَيْلَةِ الْهَرِيرِ وَقَتْلِ رُسْتُمَ]
قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَرْكِهِمُ الْكَلَامَ إِنَّمَا كَانُوا يَهِرُّونَ هَرِيرًا، وَأَرْسَلَ سَعْدٌ طُلَيْحَةَ وَعَمْرًا لَيْلَةَ الْهَرِيرِ إِلَى مَخَاضَةٍ أَسْفَلَ الْعَسْكَرِ، لِيَقُومُوا عَلَيْهَا خَشْيَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْقَوْمُ مِنْهَا. فَلَمَّا أَتَيَاهَا قَالَ طُلَيْحَةُ: لَوْ خُضْنَا وَأَتَيْنَا الْأَعَاجِمَ مِنْ خَلْفِهِمْ. قَالَ عَمْرٌو: بَلْ نَعْبُرُ أَسْفَلَ. فَافْتَرَقَا، وَأَخَذَ طُلَيْحَةُ وَرَاءَ الْعَسْكَرِ وَكَبَّرَ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ ذَهَبَ وَقَدِ ارْتَاعَ أَهْلُ فَارِسَ وَتَعَجَّبَ الْمُسْلِمُونَ، وَطَلَبَهُ الْأَعَاجِمُ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute