[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِمِائَة]
٤٠٥ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ
ذِكْرُ غَزْوَةِ تَانِيشَرَ
قَدْ ذُكِرَ لِيَمِينِ الدَّوْلَةِ أَنَّ بِنَاحِيَةِ تَانِيشَرَ فِيَلَةٌ مِنْ جِنْسِ فِيَلَةِ الصَّيْلَمَانِ الْمَوْصُوفَةِ فِي الْحَرْبِ، وَأَنَّ صَاحِبَهَا غَالٍ فِي الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ، وَالْعِنَادِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَعَزَمَ عَلَى غَزْوِهِ (فِي عُقْرِ دَارِهِ، وَأَنْ يُذِيقَهُ شَرْبَةً مِنْ كَأْسِ قِتَالِهِ) ، فَسَارَ فِي الْجُنُودِ وَالْعَسَاكِرِ وَالْمُتَطَوِّعَةِ، فَلَقِيَ فِي طَرِيقِهِ أَوْدِيَةً بَعِيدَةَ الْقَعْرِ، وَعْرَةَ الْمَسَالِكِ، وَقِفَارًا فَسِيحَةَ الْأَقْطَارِ وَالْأَطْرَافِ، بَعِيدَةَ الْأَكْنَافِ، وَالْمَاءُ بِهَا قَلِيلٌ، فَلَقُوا شِدَّةً، وَقَاسَوْا مَشَقَّةً إِلَى أَنْ قَطَعُوهَا.
فَلَمَّا قَارَبُوا مَقْصِدَهُمْ لَقُوا نَهْرًا شَدِيدَ الْجَرْيَةِ، صَعْبَ الْمَخَاضَةِ، وَقَدْ وَقَفَ صَاحِبُ تِلْكَ الْبِلَادِ عَلَى طَرَفِهِ، يَمْنَعُ مِنْ عُبُورِهِ، وَمَعَهُ عَسَاكِرُهُ وَفِيَلَتُهُ الَّتِي كَانَ يُدِلُّ بِهَا. فَأَمَرَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ شُجْعَانَ عَسْكَرِهِ بِعُبُورِ النَّهْرِ، وَإِشْغَالِ الْكَافِرِ بِالْقِتَالِ لِيَتَمَكَّنَ بَاقِي الْعَسْكَرِ مِنَ الْعُبُورِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَقَاتَلُوا الْهُنُودَ، وَشَغَلُوهُمْ عَنْ حِفْظِ النَّهْرِ، حَتَّى عَبَرَ سَائِرُ الْعَسْكَرِ فِي الْمَخَاضَاتِ، وَقَاتَلُوهُمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، فَانْهَزَمَ الْهِنْدُ، وَظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ، وَغَنِمُوا مَا مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالٍ وَفِيَلَةٍ، وَعَادُوا إِلَى غَزْنَةَ مَوْفِّرِينَ ظَافِرِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute