[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥٠٤ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ مَدِينَةَ صَيْدَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، مَلَكَ الْفِرِنْجُ مَدِينَةَ صَيْدَا، مِنْ سَاحِلِ الشَّامِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُ وَصَلَ فِي الْبَحْرِ إِلَى الشَّامِ سِتُّونَ مَرْكِبًا لِلْفِرِنْجِ مَشْحُونَةً بِالرِّجَالِ وَالذَّخَائِرِ مَعَ بَعْضِ مُلُوكِهِمْ لِيَحُجَّ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، وَلِيَغْزُوَ بِزَعْمِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَاجْتَمَعَ بِهِ بَغْدُوِينُ مَلِكُ الْقُدْسِ، وَتَقَرَّرَتِ الْقَاعِدَةُ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ، فَرَحَلُوا مِنَ الْقُدْسِ، وَنَزَلُوا مَدِينَةَ صَيْدَا ثَالِثَ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَضَايَقُوهَا بَرًّا وَبَحْرًا.
وَكَانَ الْأُسْطُولُ الْمِصْرِيُّ مُقِيمًا عَلَى صُورَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِنْجَادِ صَيْدَا، فَعَمِلَ الْفِرِنْجُ بُرْجًا مِنَ الْخَشَبِ، وَأَحْكَمُوهُ، وَجَعَلُوا عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ النَّارَ عَنْهُ وَالْحِجَارَةَ، وَزَحَفُوا بِهِ، فَلَمَّا عَايَنَ أَهْلُ صَيْدَا ذَلِكَ ضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ، وَأَشْفَقُوا أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَهْلَ بَيْرُوتَ، فَأَرْسَلُوا قَاضِيَهَا وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِهَا إِلَى الْفِرِنْجِ، وَطَلَبُوا مَنْ مَلِكِهِمُ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، وَالْعَسْكَرِ الَّذِي عِنْدَهُمْ، وَمَنْ أَرَادَ الْمُقَامَ بِهَا عِنْدَهُمْ أَمَّنُوهُ، وَمَنْ أَرَادَ الْمَسِيرَ عَنْهُمْ لَمْ يَمْنَعُوهُ، وَحَلَفَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَخَرَجَ الْمَوَالِي، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ الْبَلَدِ، فِي الْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى إِلَى دِمَشْقَ، وَأَقَامَ بِالْبَلَدِ خَلْقٌ كَثِيرٌ تَحْتَ الْأَمَانِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ الْحِصَارِ سَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا.
وَرَحَلَ بَغْدُوِينُ عَنْهَا إِلَى الْقُدْسِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى صَيْدَا، بَعْدَ مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، فَقَرَّرَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute