للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَقَامُوا بِهَا عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَفْقَرَهُمْ، وَاسْتَغْرَقَ أَمْوَالَهُمْ.

ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ الْمِصْرِيِّينَ عَلَى عَسْقَلَانَ

كَانَتْ عَسْقَلَانُ لِلْعَلَوِيِّينَ الْمِصْرِيِّينَ، ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ الْآمِرَ بِأَحْكَامِ اللَّهِ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا إِنْسَانًا يُعْرَفُ بِشَمْسِ الْخِلَافَةِ، فَرَاسَلَ بَغْدُوِينُ مَلِكَ الْفِرِنْجِ بِالشَّامِ، وَهَادَنَهُ، وَأَهْدَى إِلَيْهِ مَالًا وَعُرُوضًا، فَامْتَنَعَ بِهِ مِنْ أَحْكَامِ الْمِصْرِيِّينَ عَلَيْهِ. إِلَّا فِيمَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ مُجَاهَرَةٍ بِذَلِكَ.

فَوَصَلَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ إِلَى الْآمِرِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ، صَاحِبِ مِصْرَ، وَإِلَى وَزِيرِهِ الْأَفْضَلِ، أَمِيرِ الْجُيُوشِ، فَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمَا، وَجَهَّزَا عَسْكَرًا وَسَيَّرَاهُ إِلَى عَسْقَلَانَ مَعَ قَائِدٍ كَبِيرٍ مِنْ قُوَّادِهِ، وَأَظْهَرَا أَنَّهُ يُرِيدُ الْغَزَاةَ، وَنَفَذَا إِلَى الْقَائِدِ سِرًّا أَنْ يَقْبِضَ عَلَى شَمْسِ الْخِلَافَةِ إِذَا حَضَرَ عِنْدَهُمْ، وَيُقِيمَ هُوَ عِوَضَهُ بِعَسْقَلَانَ أَمِيرًا. فَسَارَ الْعَسْكَرُ، فَعَرَفَ شَمْسُ الْخِلَافَةِ الْحَالَ، فَامْتَنَعَ مِنَ الْحُضُورِ عِنْدَ الْعَسْكَرِ الْمِصْرِيِّ، وَجَاهَرَ بِالْعِصْيَانِ، وَأَخْرَجَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عَسْكَرِ مِصْرَ خَوْفًا مِنْهُمْ.

فَلَمَّا عَرَفَ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ خَافَ أَنْ يُسَلِّمَ عَسْقَلَانَ إِلَى الْفِرِنْجِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَطَيَّبَ قَلْبَهُ، وَسَكَّنَهُ. وَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَأَعَادَ عَلَيْهِ إِقْطَاعَهُ بِمِصْرَ.

ثُمَّ إِنَّ شَمْسَ الْخِلَافَةِ خَافَ أَهْلَ عَسْقَلَانَ، فَأَحْضَرَ جَمَاعَةً مِنَ الْأَرْمَنِ وَاتَّخَذَهُمْ جُنْدًا، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ إِلَى آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَأَنْكَرَ الْأَمْرَ أَهْلُ الْبَلَدِ، فَوَثَبَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ أَعْيَانِهِ، وَهُوَ رَاكِبٌ، فَجَرَحُوهُ، فَانْهَزَمَ مِنْهُمْ إِلَى دَارِهِ، فَتَبِعُوهُ وَقَتَلُوهُ، وَنَهَبُوا دَارَهُ وَجَمِيعَ مَا فِيهَا، وَنَهَبُوا بَعْضَ دُورِ غَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ، وَأَرْسَلُوا إِلَى مِصْرَ بِجَلِيَّةِ الْحَالِ إِلَى الْآمِرِ وَالْأَفْضَلِ، فَسُرَّا بِذَلِكَ، وَأَحْسَنَا إِلَى الْوَاصِلِينَ بِالْبِشَارَةِ، وَأَرْسَلَا إِلَيْهِ وَالِيًا يُقِيمُ بِهَا، وَيَسْتَعْمِلُ مَعَ أَهْلِ الْبَلَدِ الْإِحْسَانَ وَحُسْنَ السِّيرَةِ، فَتَمَّ ذَلِكَ، وَزَالَ مَا كَانُوا يَخَافُونَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>