[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ]
٩٣ -
ذِكْرُ صُلْحِ خُوَارَزْمِشَاهْ وَفَتْحِ خَامْ جُرْدَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ صَالَحَ قُتَيْبَةُ خُوَارَزْمَشَاهْ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَلِكَ خُوَارَزْمَ كَانَ ضَعِيفًا، فَغَلَبَهُ أَخُوهُ خُرَّزَادُ عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ، وَكَانَ إِذَا بَلَغَهُ أَنَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ هُوَ مُنْقَطِعٌ إِلَى الْمَلِكِ جَارِيَةً أَوْ مَالًا أَوْ دَابَّةً أَوْ بِنْتًا أَوْ أُخْتًا أَوِ امْرَأَةً جَمِيلَةً أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَأَخَذَهُ مِنْهُ، وَكَانَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا الْمَلِكُ، فَإِذَا قِيلَ لِلْمَلِكِ، قَالَ: لَا أَقْوَى بِهِ وَهُوَ مُغْتَاظٌ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَتَبَ إِلَى قُتَيْبَةَ يَدْعُوهُ إِلَى أَرْضِهِ لِيُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ أَخَاهُ وَكُلَّ مَنْ يُضَادَّهُ لِيَحْكُمَ فِيهِمْ بِمَا يَرَى، وَلَمْ يَطَّلِعْ أَحَدٌ مِنْ مَرَازِبَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ قُتَيْبَةُ إِلَى مَا طَلَبَ، وَتَجَهَّزُ لِلْغَزْوِ، وَأَظْهَرَ قُتَيْبَةُ أَنَّهُ يُرِيدُ الصُّغْدَ، وَسَارَ مِنْ مَرْوَ، وَجَمَعَ خُوَارَزْمَشَاهْ أَجْنَادُهُ وَدَهَاقِنَتَهُ، فَقَالَ: إِنَّ قُتَيْبَةَ يُرِيدُ الصُّغْدَ وَلَيْسَ يُغَازِيكُمْ، فَهَلُمُّوا نَتَنَعَّمُ فِي رَبِيعِنَا هَذَا.
فَأَقْبَلُوا عَلَى الشُّرْبِ وَالتَّنَعُّمِ، فَلَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى نَزَلَ قُتَيْبَةُ فِي هِزَارَسِبَ، فَقَالَ خُوَارَزْمَشَاهْ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى أَنْ نُقَاتِلَهُ. قَالَ: لَكِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ; لِأَنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنْهُ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنَّا وَأَشَدُّ شَوْكَةً، وَلَكِنْ أَصْرِفُهُ بِشَيْءٍ أُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ. فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ.
فَسَارَ خُوَارَزْمَشَاهْ فَنَزَلَ بِمَدِينَةِ الْفِيلِ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ، وَهِيَ أَحْصَنُ بِلَادِهِ، وَقُتَيْبَةُ لَمْ يَعْبُرِ النَّهْرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ خُوَارَزْمُشَاهْ، فَصَالَحَهُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ رَأْسٍ وَعَيْنٍ وَمَتَاعٍ، وَعَلَى أَنْ يُعِينَهُ عَلَى خَامَ جُرْدَ، فَقَبِلَ قُتَيْبَةُ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ رَأْسٍ، ثُمَّ بَعَثَ قُتَيْبَةُ أَخَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى خَامَ جُرْدَ، وَكَانَ يُغَازِي خُوَارَزْمَشَاهْ، فَقَاتَلَهُ فَقَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَلَبَ عَلَى أَرْضِهِ، وَقَدِمَ مِنْهُمْ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ أَسِيرٍ، فَقَتَلَهُمْ قُتَيْبَةُ، وَسَلَّمَ قُتَيْبَةُ إِلَى خُوَارَزْمَشَاهْ أَخَاهُ وَمَنْ كَانَ يُخَالِفُهُ، فَقَتَلَهُمْ وَدَفَعَ أَمْوَالَهُمْ إِلَى قُتَيْبَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute