فَلَمَّا افْتَرَقُوا أَرْسَلَتِ الْأَوْسُ إِلَى مَالِكٍ يَدْعُونَهُ إِلَى أَنْ يُحَكِّمَ بَيْنَهُمُ الْمُنْذِرَ بْنَ حَرَامٍ النَّجَّارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ جَدَّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَأَتَوُا الْمُنْذِرَ، فَحَكَمَ بَيْنَهُمُ الْمُنْذِرُ بِأَنْ يَدُوا كَعْبًا حَلِيفَ مَالِكٍ دِيَةَ الصَّرِيحِ ثُمَّ يَعُودُوا إِلَى سُنَّتِهِمُ الْقَدِيمَةِ، فَرَضُوا بِذَلِكَ وَحَمَلُوا الدِّيَةَ وَافْتَرَقُوا، وَقَدْ شَبَّتِ الْبَغْضَاءُ فِي نُفُوسِهِمْ وَتَمَكَّنَتِ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ.
[ذِكْرُ حَرْبِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْمَازِنِيِّ]
ثُمَّ إِنَّ بَنِي جَحْجَبَا مِنَ الْأَوْسِ وَبَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ مِنَ الْخَزْرَجِ وَقَعَ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ، كَانَ سَبَبُهَا أَنَّ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو الْمَازِنِيَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَالِمٍ فَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا. فَأَمَرَ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ سَيِّدُ بَنِي جَحْجَبَا جَمَاعَةً، فَرَصَدُوهُ حَتَّى ظَفِرُوا بِهِ فَقَتَلُوهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَخَاهُ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو، فَأَمَرَ قَوْمَهُ فَاسْتَعَدُّوا لِلْقِتَالِ، وَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي جَحْجَبَا يُؤْذِنُهُمْ بِالْحَرْبِ. فَالْتَقَوْا بِالرَّحَابَةِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَتْ بَنُو جَحْجَبَا وَمَنْ مَعَهُمْ، وَانْهَزَمَ مَعَهُمْ أُحَيْحَةُ، فَطَلَبَهُ عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ دَخَلَ حِصْنَهُ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي بَابِ الْحِصْنِ، فَقَتَلَ عَاصِمٌ أَخًا لِأُحَيْحَةَ. فَمَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَيَالِيَ، فَبَلَغَ أُحَيْحَةَ أَنَّ عَاصِمًا يَتَطَلَّبُهُ لِيَجِدَ لَهُ غِرَّةً فَيَقْتُلَهُ، فَقَالَ أُحَيْحَةُ:
نُبِّئْتُ أَنَّكَ جِئْتَ تَسْ ... رِي بَيْنَ دَارِيَ وَالْقُبَابَهْ
فَلَقَدْ وَجَدْتُ بِجَانِبِ ال ... ضَّحْيَانِ شُبَّانًا مُهَابَهْ
فِتْيَانُ حَرْبٍ فِي الْحَدِي ... دِ وَشَامِرِينَ كَأُسْدِ غَابَهْ
هُمْ نَكَّبُوكَ عَنِ الطَّرِي ... قِ فَبِتَّ تَرْكَبُ كُلَّ لَابَهْ
أَعُصَيْمُ لَا تَجْزَعْ فَإِ ... نَّ الْحَرْبَ لَيْسَتْ بِالدُّعَابَهْ
فَأَنَا الَّذِي صَبَّحْتُكُمْ ... بِالْقَوْمِ إِذْ دَخَلُوا الرَّحَابَهْ
وَقَتَلْتُ كَعْبًا قَبْلَهَا ... وَعَلَوْتُ بِالسَّيْفِ الذُّؤَابَهْ
فَأَجَابَهُ عَاصِمٌ:
أَبْلِغْ أُحَيْحَةَ إِنْ عَرَضْ ... تَ بِدَارِهِ عَنِّي جَوَابَهْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute