[ذِكْرُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى]
وَكَانَ أَمْرُهُ مِنَ الْأَحْدَاثِ أَيَّامَ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ.
قِيلَ: لَمْ يُنْسَبْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى أُمِّهِ إِلَّا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ وَيُونُسَ بْنَ مَتَّى، وَهِيَ أُمُّهُ، وَكَانَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْمَوْصِلِ يُقَالُ لَهَا نِينَوَى، وَكَانَ قَوْمُهُ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِالنَّهْيِ عَنْ عِبَادَتِهَا وَالْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ، فَأَقَامَ فِيهَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً يَدْعُوهُمْ، فَلَمْ يُؤْمِنْ غَيْرُ رَجُلَيْنِ، فَلَمَّا أَيِسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ دَعَا عَلَيْهِمْ، فَقِيلَ لَهُ: مَا أَسْرَعَ مَا دَعَوْتَ عَلَى عِبَادِي! ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَادْعُهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَدَعَاهُمْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيكُمْ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَلْوَانُكُمْ تَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ، فَقَالُوا: قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مَا قَالَ يُونُسُ وَلَمْ نُجَرِّبْ عَلَيْهِ كَذِبًا فَانْظُرُوا فَإِنْ بَاتَ فِيكُمْ فَأْمَنُوا مِنَ الْعَذَابِ، وَإِنْ لَمْ يَبِتْ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْعَذَابَ يُصَبِّحُكُمْ.
فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْأَرْبَعِينَ أَيْقَنَ يُونُسُ بِنُزُولِ الْعَذَابِ، فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ تَغَشَّاهُمُ الْعَذَابُ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ، خَرَجَ عَلَيْهِمْ غَيْمٌ أَسْوَدُ هَائِلٌ يُدَخِّنُ دُخَانًا شَدِيدًا، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَاسْوَدَّتْ مِنْهُ سُطُوحُهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ أَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ، فَطَلَبُوا يُونُسَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَلْهَمَهُمُ اللَّهُ التَّوْبَةَ، فَأَخْلَصُوا النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ وَقَصَدُوا شَيْخًا وَقَالُوا لَهُ: قَدْ نَزَلَ بِنَا مَا تَرَى فَمَا نَفْعَلُ؟ فَقَالَ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَتُوبُوا وَقُولُوا: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ حِينَ لَا حَيَّ، يَا حَيُّ مُحْيِي الْمَوْتَى، يَا حَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. فَخَرَجُوا مِنَ الْقَرْيَةِ إِلَى مَكَانٍ رَفِيعٍ فِي بِرَازٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ دَابَّةِ وَوَلَدِهَا، ثُمَّ عَجُّوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَقَالُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute