ثَقِيلًا. أَلَمْ تَرَ يَا عُمَرُ أَنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ غَدًا إِلَّا بَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. أَلَمْ تَرَ يَا عُمَرُ أَنَّمَا نَزَلَتْ آيَةُ الرَّخَاءِ مَعَ آيَةِ الشِّدَّةِ، وَآيَةُ الشِّدَّةِ مَعَ آيَةِ الرَّخَاءِ؛ لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ رَاغِبًا رَاهِبًا، لَا يَرْغَبُ رَغْبَةً يَتَمَنَّى فِيهَا عَلَى اللَّهِ مَا لَيْسَ لَهُ، وَلَا يَرْهَبُ رَهْبَةً يَلْقَى فِيهَا بِيَدَيْهِ. أَوَلَمْ تَرَ يَا عُمَرُ أَنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ أَهْلَ النَّارِ بِأَسْوَأِ أَعْمَالِهِمْ، فَإِذَا ذَكَرْتُهُمْ قُلْتُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا أَكُونَ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُجَاوِزُ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ سَيِّئٍ، فَإِذَا ذَكَرْتُهُمْ قُلْتُ أَيْنَ عَمَلِي مِنْ أَعْمَالِهِمْ؟ فَإِنْ حَفِظْتَ وَصِيَّتِي فَلَا يَكُونَنَّ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ حَاضِرٍ مِنَ الْمَوْتِ، وَلَسْتَ بِمُعْجِزِهِ.
وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا دُفِنَ صَعِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَخَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ الْعَرَبِ مَثَلُ جَمَلٍ أَنِفٍ اتَّبَعَ قَائِدَهُ، فَلْيَنْظُرْ قَائِدُهُ حَيْثُ يَقُودُهُ، وَأَمَّا أَنَا فَوَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَأَحْمِلَنَّكُمْ عَلَى الطَّرِيقِ!
وَكَانَ أَوَّلَ كِتَابٍ كَتَبَهُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ بِتَوْلِيَةِ جُنْدِ خَالِدٍ، وَبِعَزْلِ خَالِدٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ سَاخِطًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ كُلِّهَا؛ لِوَقْعَتِهِ بِابْنِ نُوَيْرَةَ، وَمَا كَانَ يَعْمَلُ فِي حَرْبِهِ، وَأَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَزْلُ خَالِدٍ وَقَالَ: لَا يَلِي لِي عَمَلًا أَبَدًا، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: إِنْ أَكْذَبَ خَالِدٌ نَفْسَهُ فَهُوَ الْأَمِيرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكْذِبْ نَفْسَهُ فَأَنْتَ الْأَمِيرُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَانْزِعْ عِمَامَتَهُ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَاسِمْهُ مَالَهُ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِخَالِدٍ، فَاسْتَشَارَ أُخْتَهُ فَاطِمَةَ، وَكَانَتْ عِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَقَالَتْ لَهُ: وَاللَّهِ لَا يُحِبُّكَ عُمَرُ أَبَدًا، وَمَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَكَ ثُمَّ يَنْزِعُكَ. فَقَبَّلَ رَأْسَهَا وَقَالَ: صَدَقْتِ، فَأَبَى أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَنَزَعَ عِمَامَةَ خَالِدٍ وَقَاسَمَهُ مَالَهُ، ثُمَّ قَدِمَ خَالِدٌ عَلَى عُمَرَ بِالْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ أَقَامَ بِالشَّامِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ أَصَحُّ.
[ذِكْرُ فَتْحِ دِمَشْقَ]
قِيلَ: وَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ أَهْلَ الْيَرْمُوكِ اسْتَخْلَفَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الْيَرْمُوكِ بَشِيرَ بْنَ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيَّ، وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بِالصُّفَّرِ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ الْمُنْهَزِمِينَ اجْتَمَعُوا بِفِحْلٍ، وَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَدَدَ قَدْ أَتَى أَهْلَ دِمَشْقَ مِنْ حِمْصَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ عُمَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute