[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]
١٢٦ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ قَتْلِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ عَزْلِهِ عَنِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، وَكَانَ عَمَلُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِيمَا قِيلَ، وَلَمَّا عَزَلَهُ هِشَامٌ قَدِمَ عَلَيْهِ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَاسِطًا فَحَبَسَهُ بِهَا، ثُمَّ سَارَ يُوسُفُ إِلَى الْحِيرَةِ وَأَخَذَ خَالِدًا فَحَبَسَهُ بِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مَعَ أَخِيهِ إِسْمَاعِيلَ وَابْنِهِ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ وَابْنِ أَخِيهِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَسَدٍ. اسْتَأْذَنَ يُوسُفُ هِشَامًا فِي تَعْذِيبِهِ فَأَذِنَ لَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَقْسَمَ لَئِنْ هَلَكَ لَيَقْتُلَنَّهُ، فَعَذَّبَهُ يُوسُفُ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى حَبْسِهِ. وَقِيلَ: بَلْ عَذَّبَهُ عَذَابًا كَثِيرًا، وَكَتَبَ هِشَامٌ إِلَى يُوسُفَ يَأْمُرُهُ بِإِطْلَاقِهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَأَطْلَقَهُ، فَسَارَ فَأَتَى الْقَرْيَةَ الَّتِي بِإِزَاءِ الرُّصَافَةِ فَأَقَامَ بِهَا إِلَى صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَخَرَجَ زَيْدٌ فَقُتِلَ، فَكَتَبَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: إِنَّ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ كَانُوا هَلَكُوا جُوعًا فَكَانَتْ هِمَّةُ أَحَدِهِمْ قُوتَ عِيَالِهِ، فَلَمَّا وَلِيَ خَالِدٌ الْعِرَاقَ أَعْطَاهُمُ الْأَمْوَالَ، فَتَاقَتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى الْخِلَافَةِ، وَمَا خَرَجَ زَيْدٌ إِلَّا عَنْ رَأْيِ خَالِدٍ.
فَقَالَ هِشَامٌ: كَذَبَ يُوسُفُ! وَضَرَبَ رَسُولَهُ وَقَالَ: لَسْنَا نَتَّهِمُ خَالِدًا فِي طَاعَةٍ.
وَسَمِعَ خَالِدٌ فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ دِمَشْقَ وَسَارَ إِلَى الصَّائِفَةِ. وَكَانَ عَلَى دِمَشْقَ يَوْمَئِذٍ كُلْثُومُ بْنُ عِيَاضٍ الْقُشَيْرِيُّ، وَكَانَ يُبْغِضُ خَالِدًا، فَظَهَرَ فِي دُورِ دِمَشْقَ حَرِيقٌ كُلَّ لَيْلَةٍ يَفْعَلُهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَمَرَّسِ، فَإِذَا وَقَعَ الْحَرِيقُ يَسْرِقُونَ، وَكَانَ أَوْلَادُ خَالِدٍ وَإِخْوَتُهُ بِالسَّاحِلِ لَحَدَثٍ كَانَ مِنَ الرُّومِ، فَكَتَبَ كُلْثُومٌ إِلَى هِشَامٍ يُخْبِرُهُ أَنَّ مَوَالِيَ خَالِدٍ يُرِيدُونَ الْوُثُوبَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّهُمْ يُحْرِقُونَ الْبَلَدَ كُلَّ لَيْلَةٍ لِهَذَا الْفِعْلِ.
فَكَتَبَ إِلَى هِشَامٍ يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْبِسَ آلَ خَالِدٍ الصَّغِيرَ مِنْهُمْ وَالْكَبِيرَ وَمَوَالِيَهُمْ، فَأَنْفَذَ وَأَحْضَرَ أَوْلَادَ خَالِدٍ وَإِخْوَتَهُ مِنَ السَّاحِلِ فِي الْجَوَامِعِ وَمَعَهُمْ مَوَالِيهِمْ، وَحَبَسَ بَنَاتِ خَالِدٍ وَالنِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلِيُّ بْنُ الْعَمَرَّسِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ، فَكَتَبَ الْوَلِيدُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute