[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ]
١٧٠ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ مَا جَرَى لِلْهَادِي فِي خَلْعِ الرَّشِيدِ
كَانَ الْهَادِي قَدْ جَدَّ فِي خَلْعِ الرَّشِيدِ وَالْبَيْعَةِ لِابْنِهِ جَعْفَرٍ، وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْهَادِيَ لَمَّا عَزَمَ عَلَى خَلْعِهِ ذَكَرَهُ لِقُوَّادِهِ، فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ، وَعَلِيُّ بْنُ عِيسَى وَغَيْرُهُمْ.
فَخَلَعُوا هَارُونَ، وَبَايَعُوا لِجَعْفَرٍ، وَوَضَعُوا الشِّيعَةَ، فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، وَتَنَقَّصُوا بِالرَّشِيدِ فِي مَجْلِسِ الْجَمَاعَةِ، وَقَالُوا لَا نَرْضَى بِهِ، وَصَعُبَ أَمْرُهُمْ، وَأَمَرَ الْهَادِي أَنْ لَا يُسَارَ بَيْنَ يَدَيْ هَارُونَ بِالْحَرْبَةِ، فَاجْتَنَبَهُ النَّاسُ، وَتَرَكُوا السَّلَامَ عَلَيْهِ.
وَكَانَ يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكٍ يَتَوَلَّى أُمُورَ الرَّشِيدِ بِأَمْرِ الْهَادِي، فَقِيلَ لِلْهَادِي: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ أَخِيكَ خِلَافٌ إِنَّمَا يَحْيَى يُفْسِدُهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ، وَتَهَدَّدَهُ، وَرَمَاهُ بِالْكُفْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَدْعَاهُ لَيْلَةً، فَخَافَ، وَأَوْصَى، وَتَحَنَّطَ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا يَحْيَى! مَا لِي وَلَكَ؟ قَالَ: مَا يَكُونُ مِنَ الْعَبْدِ إِلَى مَوْلَاهُ إِلَّا طَاعَتُهُ؟ ! .
قَالَ: لِمَ تَدْخُلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَخِي وَتُفْسِدُهُ عَلَيَّ؟ قَالَ: مَنْ أَنَا حَتَّى أَدْخُلَ بَيْنَكُمَا؟ إِنَّمَا صَيَّرَنِي الْمَهْدِيُّ مَعَهُ، ثُمَّ أَمَرْتَنِي أَنْتَ بِالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى أَمْرِكَ. فَسَكَنَ غَضَبُهُ.
وَقَدْ كَانَ هَارُونُ طَابَ نَفْسًا بِالْخَلْعِ، فَمَنَعَهُ يَحْيَى عَنْهُ. فَلَمَّا أَحْضَرَهُ الْهَادِي، وَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ يَحْيَى: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ إِنْ حَمَلْتَ النَّاسَ عَلَى نَكْثِ الْأَيْمَانِ هَانَتْ عَلَيْهِمْ أَيْمَانُهُمْ، وَإِنْ تَرَكْتَهُمْ عَلَى بَيْعَةِ أَخِيكَ ثُمَّ بَايَعْتَ لِجَعْفَرٍ بَعْدَهُ، كَانَ ذَلِكَ أَوْكَدَ لِلْبَيْعَةِ، قَالَ: صَدَقْتَ، وَسَكَتَ عَنْهُ.
فَعَادَ أُولَئِكَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ مِنَ الْقُوَّادِ وَالشِّيعَةِ، فَحَمَلُوهُ عَلَى مُعَاوَدَةِ الرَّشِيدِ بِالْخَلْعِ، فَأَحْضَرَ يَحْيَى وَحَبَسَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ عِنْدِي نَصِيحَةً، فَأَحْضَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute