فَسَكَتَ مُضَرِّطُ الْحِجَارَةِ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، وَبَعَثَ إِلَى عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ يَسْتَزِيرُهُ، وَيَأْمُرُ أَنْ تَزُورَ أُمُّهُ لَيْلَى أُمَّ نَفْسِهِ هِنْدًا بِنْتَ الْحَارِثِ. فَقَدِمَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ فِي فُرْسَانٍ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَمَعَهُ أُمُّهُ لَيْلَى، فَنَزَلَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، وَبَلَغَ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ قُدُومُهُ، فَأَمَرَ فَضُرِبَتْ خِيَامُهُ بَيْنَ الْحِيرَةِ وَالْفُرَاتِ، وَأَرْسَلَ إِلَى وُجُوهِ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِمُ الطَّعَامُ عَلَى بَابِ السُّرَادِقِ، وَجَلَسَ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ وَخَوَاصُّ أَصْحَابِهِ فِي السُّرَادِقِ، وَلِأُمِّهِ هِنْدٍ قُبَّةٌ فِي جَانِبِ السُّرَادِقِ، وَلَيْلَى أُمُّ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ مَعَهَا فِي الْقُبَّةِ، وَقَدْ قَالَ مُضَرِّطُ الْحِجَارَةِ لِأُمِّهِ: إِذَا فَرَغَ النَّاسُ مِنَ الطَّعَامِ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الطُّرَفُ فَنَحِّي خَدَمَكِ عَنْكِ، فَإِذَا دَنَا الطُّرَفُ فَاسْتَخْدِمِي لَيْلَى وَمُرِيهَا فَلْتُنَاوِلْكِ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ.
فَفَعَلَتْ هِنْدٌ مَا أَمَرَهَا بِهِ ابْنُهَا، فَلَمَّا اسْتُدْعِيَ الطُّرَفُ قَالَتْ هِنْدٌ لِلَيْلَى: نَاوِلِينِي هَذَا الطَّبَقَ. فَقَالَتْ: لِتَقُمْ صَاحِبَةُ الْحَاجَةِ إِلَى حَاجَتِهَا. فَأَلَحَّتْ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ لَيْلَى: وَاذُلَّاهُ يَا آلَ تَغْلِبَ! فَسَمِعَهَا وَلَدُهَا عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ، فَثَارَ الدَّمُ فِي وَجْهِهِ وَالْقَوْمُ يَشْرَبُونَ، فَعَرَفَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ الشَّرَّ فِي وَجْهِهِ، وَثَارَ ابْنُ كُلْثُومٍ إِلَى سَيْفِ ابْنِ هِنْدٍ وَهُوَ مُعَلَّقٌ فِي السُّرَادِقِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ سَيْفٌ غَيْرَهُ، فَأَخَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ رَأْسَ مُضَرِّطِ الْحِجَارَةِ فَقَتَلَهُ، وَخَرَجَ فَنَادَى: يَا آلَ تَغْلِبَ! فَانْتَهَبُوا مَالَهُ وَخَيْلَهُ وَسَبَوُا النِّسَاءَ وَسَارُوا فَلَحِقُوا بِالْحِيرَةِ، فَقَالَ أَفْنُونُ التَغْلِبِيُّ:
لَعَمْرُكَ مَا عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ وَقَدْ دَعَا ... لِتَخْدِمَ لَيْلَى أُمَّهُ بِمُوَفَّقِ
فَقَامَ ابْنُ كُلْثُومٍ إِلَى السَّيْفِ مُصْلَتًا ... وَأَمْسَكَ مِنْ نُدْمَانِهِ بِالْمُخَنَّقِ
[يَوْمُ الْكُلَابِ الْأَوَّلُ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute