[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ]
٦٢٨ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ
ذِكْرُ خُرُوجِ التَّتَرِ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَ التَّتَرُ مِنْ بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ كَيْفَ مَلَكُوا مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَمَا صَنَعُوهُ بِخُرَاسَانَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ مِنَ النَّهْبِ، وَالتَّخْرِيبِ، وَالْقَتْلِ، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُمْ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَعَادَتْ بِلَادُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فَانْعَمَرَتْ، وَعَمَرُوا مَدِينَةً تُقَارِبُ مَدِينَةَ خُوَارَزْمَ عَظِيمَةً، وَبَقِيَتْ مُدُنُ خُرَاسَانَ خَرَابًا لَا يَجْسُرُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [أَنْ] يَسْكُنَهَا.
وَأَمَّا التَّتَرُ فَكَانُوا تُغِيرُ كُلَّ قَلِيلٍ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَنْهَبُونَ مَا يَرَوْنَهُ بِهَا، فَالْبِلَادُ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنْ ظَهَرَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ [وَسِتِّمِائَةٍ] ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ جَلَالِ الدِّينِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبَقُوا كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْآنُ، وَانْهَزَمَ جَلَالُ الدِّينِ مِنْ عَلَاءِ الدِّينِ كَيْقُبَاذَ وَمِنَ الْأَشْرَفِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ [وَسِتِّمِائَةٍ] ، أَرْسَلَ مُقَدَّمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ إِلَى التَّتَرِ يُعَرِّفُهُمْ ضَعْفَ جَلَالِ الدِّينِ بِالْهَزِيمَةِ الْكَائِنَةِ عَلَيْهِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى قَصْدِهِ عُقَيْبَ الضَّعْفِ، وَيَضْمَنُ لَهُمُ الظَّفَرَ بِهِ لِلْوَهْنِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ.
وَكَانَ جَلَالُ الدِّينِ سَيِّئَ السِّيرَةِ، قَبِيحَ التَّدَبُّرِ لِمُلْكِهِ، لَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا مِنَ الْمُلُوكِ الْمُجَاوِرِينَ لَهُ إِلَّا عَادَاهُ، وَنَازَعَهُ الْمُلْكَ، وَأَسَاءَ مُجَاوَرَتَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا ظَهَرَ فِي أَصْفَهَانَ وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ قَصَدَ خُوزِسْتَانَ، فَحَصَرَ مَدِينَةَ شُشْتَرَ، وَهِيَ لِلْخَلِيفَةِ، وَسَارَ إِلَى دَقُوقَا فَنَهَبَهَا، وَقَتَلَ فِيهَا فَأَكْثَرَ، وَهِيَ لِلْخَلِيفَةِ أَيْضًا.
ثُمَّ مَلَكَ أَذْرَبِيجَانَ، وَهِيَ لِأُوزْبَكَ، وَقَصَدَ الْكُرْجَ وَهَزَمَهُمْ وَعَادَاهُمْ، ثُمَّ عَادَى الْمَلِكَ الْأَشْرَفَ صَاحِبَ خِلَاطَ، ثُمَّ عَادَى عَلَاءَ الدِّينِ صَاحِبَ بِلَادِ الرُّومِ، وَعَادَى الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ، وَنَهَبَ بِلَادَهُمْ، وَقَتَلَ فِيهِمْ فَأَكْثَرَ، وَقَرَّرَ عَلَيْهِمْ وَظِيفَةً مِنَ الْمَالِ كُلَّ سَنَةٍ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ، فَكُلٌّ مِنَ الْمُلُوكِ تَخَلَّى عَنْهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِيَدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute