[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ]
٢٦٩ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
ذِكْرُ أَخْبَارِ الزَّنْجِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ رُمِيَ الْمُوَفَّقُ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ ; وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ بَهْبُودَ لَمَّا هَلَكَ طَمِعَ الْعَلَوِيُّ فِي مَالَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَكَانَ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ مَلِكَهُ قَدْ حَوَى مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَجَوْهَرًا، وَفِضَّةً، فَطَلَبَ ذَلِكَ، وَأَخَذَ أَهْلَهُ وَأَصْحَابَهُ فَضَرَبَهُمْ، وَهَدَمَ أَبْنِيَتَهُ طَمَعًا فِي الْمَالِ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَكَانَ فِعْلُهُ مِمَّا أَفْسَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْهَرَبِ مِنْهُ، فَأَمَرَ الْمُوَفَّقُ بِالنِّدَاءِ بِالْأَمَانِ فِي أَصْحَابِ بَهْبُودَ، فَسَارَعُوا إِلَيْهِ فَأَلْحَقَهُمْ فِي الْعَطَاءِ بِمَنْ تَقَدَّمَ.
وَرَأَى الْمُوَفَّقُ مَا كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُبُورِ إِلَى الزَّنْجِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَهُبُّ فِيهَا الرِّيَاحُ لِتُحَرِّكَ الْأَمْوَاجَ، فَعَزَمَ عَلَى أَنْ يُوَسِّعَ لِنَفْسِهِ وَلِأَصْحَابِهِ مَوْضِعًا فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، فَأَمَرَ بِقَطْعِ النَّخْلِ وَإِصْلَاحِ الْمَكَانِ، وَأَنْ يُعْمَلَ لَهُ الْخَنَادِقُ، وَالسُّورُ لِيَأْمَنَ الْبَيَاتَ، وَجَعَلَ حِمَايَةَ الْعَامِلِينَ فِيهِ نُوَبًا عَلَى قُوَّادِهِ.
فَعَلِمَ صَاحِبُ الزَّنْجِ، وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الْمُوَفَّقَ إِذَا جَاوَرَهُمْ قَرَّبَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ اللَّحَاقَ بِهِ الْمَسَافَةَ مَعَ مَا يَدْخُلُ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ مِنَ الْخَوْفِ، وَانْتِقَاضِ تَدْبِيرِهِ عَلَيْهِ، فَاهْتَمُّوا بِمَنْعِ الْمُوَفَّقِ مِنْ ذَلِكَ، وَبُذِلَ الْجُهْدُ فِيهِ، وَقَاتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، فَاتَّفَقَ أَنَّ الرِّيحَ عَصَفَتْ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَقَائِدٌ مِنَ الْقُوَّادِ هُنَاكَ، فَانْتَهَزَ الْخَبِيثُ الْفُرْصَةَ فِي إِنْفَاذِ هَذَا الْقَائِدِ، وَانْقِطَاعِ الْمَدَدِ عَنْهُ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَمِيعَ أَصْحَابِهِ، فَقَاتَلُوهُ، فَهَزَمُوهُ، وَقَتَلُوا كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ تَجِدِ الشَّذَوَاتُ الَّتِي لِأَصْحَابِ الْمُوَفَّقِ سَبِيلًا إِلَى الْقُرْبِ مِنْهُمْ خَوْفًا مِنَ الزَّنْجِ أَنْ تُلْقِيَهَا عَلَى الْحِجَارَةِ فَتَنْكَسِرَ، فَغَلَبَ الزَّنْجُ عَلَيْهِمْ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ وَالْأَسْرَ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الشَّذَوَاتِ وَعَبَرُوا إِلَى الْمُوَفَّقِيَّةِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute