فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ قَالَ لِأُسَامَةَ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعِينَنِي بِعُمَرَ فَافْعَلْ، فَأَذِنَ لَهُ، ثُمَّ وَصَّاهُمْ فَقَالَ: لَا تَخُونُوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا طِفْلًا وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَعْقِرُوا نَخْلًا وَتُحْرِقُوهُ، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً، وَلَا تَذْبَحُوا شَاةً وَلَا بَقَرَةً وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَسَوْفَ تَمُرُّونَ بِأَقْوَامٍ قَدْ فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ، فَدَعُوهُمْ وَمَا فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ، وَسَوْفَ تَقْدَمُونَ عَلَى قَوْمٍ قَدْ فَحَصُوا أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ، وَتَرَكُوا حَوْلَهَا مِثْلَ الْعَصَائِبِ، فَاخْفِقُوهُمْ بِالسَّيْفِ خَفْقًا. انْدَفِعُوا بِاسْمِ اللَّهِ.
وَأَوْصَى أُسَامَةَ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَسَارَ وَأَوْقَعَ بِقَبَائِلَ مِنْ نَاسِ قُضَاعَةَ الَّتِي ارْتَدَّتْ، وَغَنِمَ وَعَادَ، وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ: سَبْعِينَ يَوْمًا.
وَكَانَ إِنْفَاذُ جَيْشِ أُسَامَةَ أَعْظَمَ الْأُمُورِ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ قَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ قُوَّةٌ لَمَا أَرْسَلُوا هَذَا الْجَيْشَ، فَكَفُّوا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلُوهُ.
[ذِكْرُ أَخْبَارِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ بِالْيَمَنِ]
وَاسْمُهُ عَيْهَلَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَوْفٍ الْعَنْسِيُّ، بِالنُّونِ، وَعَنْسٌ بَطْنٌ مِنْ مَذْحِجٍ، وَكَانَ يُلَقَّبُ ذَا الْخِمَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَمًّا مُتَخَمِّرًا أَبَدًا.
وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَمَعَ لِبَاذَانَ حِينَ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَهْلُ الْيَمَنِ - عَمَلَ الْيَمَنِ جَمِيعَهُ، وَأَمَّرَهُ عَلَى جَمِيعِ مُخَالِفِيهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَامِلًا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ. فَلَمَّا مَاتَ بَاذَانُ فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَرَاءَهُ فِي الْيَمَنِ، فَاسْتَعْمَلَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ عَلَى نَجْرَانَ، وَخَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى مَا بَيْنَ نَجْرَانَ وَزَبِيدَ، وَعَامِرَ بْنَ شَهْرٍ عَلَى هَمْدَانَ، وَعَلَى صَنْعَاءَ شَهْرَ بْنَ بَاذَانَ، وَعَلَى عَكٍّ وَالْأَشْعَرِيِّينَ الطَّاهِرَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَعَلَى مَأْرِبَ أَبَا مُوسَى، وَعَلَى الْجَنَدِ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ، وَكَانَ مُعَاذُ مُعَلِّمًا يَتَنَقَّلُ فِي عَمَالَةِ كُلِّ عَامِلٍ بِالْيَمَنِ وَحَضْرَمَوْتَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute