[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَة]
٥٨٢ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ نَقْلِ الْعَادِلِ مِنْ حَلَبَ، وَالْمَلِكِ الْعَزِيزِ إِلَى مِصْرَ، وَإِخْرَاجِ الْأَفْضَلِ مِنْ مِصْرَ إِلَى دِمَشْقَ وَإِقْطَاعِهِ إِيَّاهَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَخْرَجَ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَدَهُ الْأَفْضَلَ عَلِيًّا مِنْ مِصْرَ إِلَى دِمَشْقَ، وَأَقْطَعَهَا لَهُ، وَأَخَذَ حَلَبَ مِنْ أَخِيهِ الْعَادِلِ، وَسَيَّرَهُ مَعَ وَلَدِهِ الْعَزِيزِ عُثْمَانَ إِلَى مِصْرَ، وَجَعَلَهُ نَائِبًا عَنْهُ، وَاسْتَدْعَى تَقِيَّ الدِّينِ مِنْهَا.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَنَابَ تَقِيَّ الدِّينِ بِمِصْرَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَجَعَلَ مَعَهُ وَلَدَهُ الْأَكْبَرَ الْأَفْضَلَ عَلِيًّا، فَأَرْسَلَ تَقِيُّ الدِّينِ يَشْكُو مِنَ الْأَفْضَلِ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنْ جِبَايَةِ الْخَرَاجِ مَعَهُ لِأَنَّهُ كَانَ حَلِيمًا كَرِيمًا إِذَا أَرَادَ تَقِيُّ الدِّينِ مُعَاقَبَةَ أَحَدٍ مَنَعَهُ.
فَأَحْضَرَ وَلَدَهُ الْأَفْضَلَ، وَقَالَ لِتَقِيِّ الدِّينِ: لَا تَحْتَجَّ فِي الْخَرَاجِ وَغَيْرِهِ بِحُجَّةٍ، وَتَغَيَّرَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ إِخْرَاجَ وَلَدِهِ الْأَفْضَلِ لِيَنْفَرِدَ بِمِصْرَ حَتَّى يَمْلَكَهَا إِذَا مَاتَ صَلَاحُ الدِّينِ.
فَلَمَّا قَوِيَ هَذَا الْخَاطِرُ عِنْدَهُ أَحْضَرَ أَخَاهُ الْعَادِلَ مِنْ حَلَبَ وَسَيَّرَهُ إِلَى مِصْرَ وَمَعَهُ وَلَدُهُ الْعَزِيزُ عُثْمَانُ، وَاسْتَدْعَى تَقِيَّ الدِّينِ إِلَى الشَّامِ، فَامْتَنَعَ مِنَ الْحُضُورِ، وَجَمَعَ الْأَجْنَادَ وَالْعَسَاكِرَ لِيَسِيرَ إِلَى الْمَغْرِبِ، إِلَى مَمْلُوكِهِ قَرَاقُوشَ، وَكَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى جِبَالِ نَفُوسَةَ وَبَرْقَةَ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ يُرَغِّبُهُ فِي تِلْكَ [الْبِلَادِ] ، فَتَجَهَّزَ لِلْمَسِيرِ إِلَيْهِ وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ أَجْنَادَ الْعَسْكَرِ وَأَكْثَرَ مِنْهُمْ.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ صَلَاحُ الدِّينِ سَاءَهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إِنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَمْنَعُهُ لَمْ يُجِبْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ: أُرِيدُ أَنْ تَحْضُرَ عِنْدِي لِأُوَدِّعَكَ، وَأُوصِيَكَ بِمَا تَفْعَلُهُ، فَلَمَّا حَضَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute