[يَوْمُ النُّبَاةِ]
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: خَرَجَتْ بَنُو عَامِرٍ تُرِيدُ غَطَفَانَ لِتُدْرِكَ بِثَأْرِهَا يَوْمَ الرَّقَمِ وَيَوْمَ سَاحُوقَ، فَصَادَفَتْ بَنِي عَبْسٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنْ غَطَفَانَ، وَكَانَتْ عَبْسٌ لَمْ تَشْهَدْ يَوْمَ الرَّقَمِ وَلَا يَوْمَ سَاحُوقَ مَعَ غَطَفَانَ وَلَمْ يُعِينُوهُمْ عَلَى بَنِي عَامِرٍ، وَقِيلَ: بَلْ شَهِدَهَا أَشْجَعُ وَفَزَارَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ بَنِي غَطَفَانَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
قَالَ: وَأَغَارَتْ بَنُو عَامِرٍ عَلَى نَعَمِ بَنِي عَبْسٍ وَذُبْيَانَ وَأَشْجَعَ، فَأَخَذُوهَا وَعَادُوا مُتَوَجِّهِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَضَلُّوا فِي الطَّرِيقِ، فَسَلَكُوا وَادِيَ النُّبَاةِ فَأَمْعَنُوا فِيهِ وَلَا طَرِيقَ لَهُمْ وَلَا مَطْلَعَ حَتَّى قَارَبُوا آخِرَهُ. وَكَادَ الْجَبَلَانِ يَلْتَقِيَانِ إِذَا هُمْ بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ تَخْبِطُ الشَّجَرَ لَهُمْ فِي قُلَّةِ الْجَبَلِ. فَسَأَلُوهَا عَنِ الْمَطْلَعِ. فَقَالَتْ لَهُمْ: الْفَوَارِسُ الْمَطْلَعُ، وَكَانَتْ قَدْ رَأَتِ الْخَيْلَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَهِيَ عَلَى الْجَبَلِ، وَلَمْ يَرَهَا بَنُو عَامِرٍ لِأَنَّهُمْ فِي الْوَادِي، فَأَرْسَلُوا رَجُلًا إِلَى قُلَّةِ الْجَبَلِ يَنْظُرُ، فَقَالَ لَهُمْ: أَرَى قَوْمًا كَأَنَّهُمُ الصِّبْيَانُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، أَسِنَّةُ رِمَاحِهِمْ عِنْدَ آذَانِ خَيْلِهِمْ. قَالُوا: تِلْكَ فَزَارَةُ، قَالَ: وَأَرَى قَوْمًا بِيضًا جِعَادًا كَأَنَّ عَلَيْهِمْ ثِيَابًا حُمْرًا. قَالُوا: تِلْكَ أَشْجَعُ. قَالَ: وَأَرَى قَوْمًا نُسُورًا قَدْ قَلَعُوا خُيُولَهُمْ بِسَوَادِهِمْ، كَأَنَّمَا يَحْمِلُونَهَا حَمْلًا بِأَفْخَاذِهِمْ، آخِذِينَ بِعَوَامِلِ رِمَاحِهِمْ يَجُرُّونَهَا قَالُوا: تِلْكَ عَبْسٌ، أَتَاكُمُ الْمَوْتُ الزُّؤَامُ! وَلَحِقَهُمُ الطَّلَبُ بِالْوَادِي، فَكَانَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ عَلَى فَرَسِهِ الْوَرْدَ فَفَاتَ الْقَوْمَ، وَأَعْيَا فَرَسَهُ الْوَرْدُ، وَهُوَ الْمَرْبُوقُ أَيْضًا فَعَقَرَهُ لِئَلَّا تَفْتَحِلَهُ فَزَارَةُ، وَاقْتَتَلَ النَّاسُ، وَدَامَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، فَانْهَزَمَتْ عَامِرٌ فَقُتِلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةٌ كَبِيرَةٌ، قُتِلَ فِيهَا مِنْ أَشْرَافِهِمُ الْبَرَاءُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ، وَبِهِ يُكَنَّى أَبُوهُ، وَقُتِلَ نَهْشَلٌ وَأَنَسٌ وَهَزَارُ بَنُو مُرَّةَ بْنِ أَنَسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الطُّفَيْلِ أَخَا عَامِرٍ، قَتَلَهُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ الْعَبْسِيُّ، وَغَيْرُهُمْ كَثِيرٌ، وَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى بَنِي عَامِرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute