[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّمِائَة]
٦٠٤ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّمِائَةٍ
ذِكْرُ مُلْكِ خُوَارِزْمَ شَاهْ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ
وَمَا كَانَ بِخُرَاسَانَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِصْلَاحِهَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبَرَ عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَارِزْمَ شَاهْ نَهْرَ جَيْحُونَ لِقِتَالِ الْخَطَا.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَطَا كَانُوا قَدْ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ بِبِلَادِ تُرْكِسْتَانَ، وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَثَقُلَتْ وَطَأَتُهُمْ عَلَى أَهْلِهَا، وَلَهُمْ فِي كُلِّ مَدِينَةِ نَائِبٌ يَجْبِي إِلَيْهِمُ الْأَمْوَالَ، وَهُمْ يَسْكُنُونَ الْخَرْكَاهَاتِ عَلَى عَادَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا، وَكَانَ مُقَامُهُمْ بِنَوَاحِي أُوزْكَنْدَ، وَبَلَاسَاغُونَ، وَكَاشْغَرَ، وَتِلْكَ النَّوَاحِي، فَاتُّفِقَ أَنَّ سُلْطَانَ سَمَرْقَنْدَ وَبُخَارَى، وَيُلَقَّبُ خَانْ خَانَانْ - يَعْنِي سُلْطَانَ السَّلَاطِينِ -. وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ الْخَانِيَّةِ، عَرِيقُ النَّسَبِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْمُلْكِ، أَنِفَ وَضَجِرَ مِنْ تَحَكُّمِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَرْسَلَ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ يَقُولُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْكَ بِمَا أَعْطَاكَ مِنْ سِعَةِ الْمُلْكِ وَكَثْرَةِ الْجُنُودِ أَنْ تَسْتَنْقِذَ الْمُسْلِمِينَ وَبِلَادَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ، وَتُخَلِّصَهُمْ مِمَّا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنَ التَّحَكُّمِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْشَارِ، وَنَحْنُ نَتَّفِقُ مَعَكَ عَلَى مُحَارَبَةِ الْخَطَا، وَنَحْمِلُ إِلَيْكَ مَا نَحْمِلُهُ إِلَيْهِمْ، وَنَذْكُرُ اسْمَكَ فِي الْخُطْبَةِ وَعَلَى السِّكَّةِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: أَخَافَ أَنَّكُمْ لَا تَفُونَ لِي.
فَسَيَّرَ إِلَيْهِ صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ وُجُوهَ أَهْلِ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، بَعْدَ أَنْ حَلَّفُوا صَاحِبَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا تَضَمَّنَهُ، وَضَمِنُوا عَنْهُ الصِّدْقَ وَالثَّبَاتَ عَلَى مَا بَذَلَ، وَجَعَلُوا عِنْدَهُ رَهَائِنَ، فَشَرَعَ فِي إِصْلَاحِ أَمْرِ خُرَاسَانَ، وَتَقْرِيرِ قَوَاعِدِهَا، فَوَلَّى أَخَاهُ عَلِيًّا شَاهْ فِي طَبَرِسْتَانَ مُضَافَةٍ إِلَى جُرْجَانَ، وَأَمَرَهُ بِالْحِفْظِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَوَلَّى الْأَمِيرَ كُزْلَكَ خَانْ، وَهُوَ مِنْ أَقَارِبِ أُمِّهِ وَأَعْيَانِ دَوْلَتِهِ، بِنَيْسَابُورَ، وَجَعَلَ مَعَهُ عَسْكَرًا، وَوَلَّى الْأَمِيرَ جُلْدَكَ مَدِينَةَ الْخَامِ، وَوَلَّى الْأَمِيرَ أَمِينَ الدِّينِ أَبَا بَكْرٍ مَدِينَةَ زَوْزَنَ.
وَكَانَ أَمِينُ الدِّينِ هَذَا حَمَّالًا، ثُمَّ صَارَ أَكْبَرَ الْأُمَرَاءِ، وَهُوَ الَّذِي مَلَكَ كَرْمَانَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute