عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَقَرَّ الْأَمِيرَ الْحُسَيْنَ عَلَى هَرَاةَ، وَجَعَلَ مَعَهُ فِيهَا أَلْفَ فَارِسٍ مِنَ الْخُوَارِزْمِيَّةِ، وَصَالَحَ غِيَاثَ الدِّينِ مَحْمُودًا عَلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ بِلَادِ الْغَوْرِ، وَكَرْمِسِيرَ وَاسْتَنَابَ فِي مَرْوَ وَسَرَخْسَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ خُرَاسَانَ نُوَّابًا، وَأَمَرَهُمْ بِحُسْنِ السِّيَاسَةِ، وَالْحِفْظِ، وَالِاحْتِيَاطِ، وَجَمَعَ عَسَاكِرَهُ جَمِيعَهَا، وَسَارَ إِلَى خُوَارِزْمَ، وَتَجَهَّزَ مِنْهَا، وَعَبَرَ جَيْحُونَ، وَاجْتَمَعَ بِسُلْطَانِ سَمَرْقَنْدَ، وَسَمِعَ الْخَطَا، فَحَشَدُوا، وَجَمَعُوا، وَجَاءُوا إِلَيْهِ فَجَرَى بَيْنَهُمْ وَقْعَاتٌ كَثِيرَةٌ وَمُغَاوَرَاتٌ، فَتَارَةً لَهُ وَتَارَةً عَلَيْهِ.
ذِكْرُ قَتْلِ ابْنِ خَرْمِيلَ وَحَصْرِ هَرَاةَ
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ خَرْمِيلَ - صَاحِبَ هَرَاةَ - رَأَى سُوءَ مُعَامَلَةِ عَسْكَرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ لِلرَّعِيَّةِ، وَتَعَدِّيهِمْ إِلَى الْأَمْوَالِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِمْ وَحَبَسَهُمْ، وَبَعَثَ رَسُولًا إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ يَعْتَذِرُ، وَيُعَرِّفُهُ مَا صَنَعُوا، فَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ مُحَاقَّتُهُ لِاشْتِغَالِهِ بِقِتَالِ الْخَطَا فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَسْتَحْسِنُ فِعْلَهُ، وَيَأْمُرُهُ بِإِنْفَاذِ الْجُنْدِ الَّذِينَ قَبَضَ عَلَيْهِمْ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّنِي قَدْ أَمَرْتُ عِزَّ الدِّينِ جُلْدَكَ بْنَ طُغْرُلَ - صَاحِبَ الْخَامِ - أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ لِمَا أَعْلَمُهُ مِنْ عَقْلِهِ وَحُسْنِ سِيرَتِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى جُلْدَكَ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى هَرَاةَ، وَأَسَرَّ إِلَيْهِ أَنْ يَحْتَالَ فِي الْقَبْضِ عَلَى حُسَيْنِ بْنِ خَرْمِيلَ وَلَوْ أَوَّلُ سَاعَةٍ يَلْقَاهُ.
فَسَارَ جُلْدَكُ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ - وَكَانَ أَبُوهُ طُغْرُلُ أَيَّامَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَالِيًا بِهَرَاةَ، فَهَوَى إِلَيْهَا بِالْأَشْوَاقِ يَخْتَارُهَا عَلَى جَمِيعِ خُرَاسَانَ -، فَلَمَّا قَارَبَ هَرَاةَ أَمَرَ ابْنُ خَرْمِيلَ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ لِتَلَقِّيهِ، وَكَانَ لِلْحُسَيْنِ وَزِيرٌ يُعْرَفُ بِخَوَاجَه الصَّاحِبِ، وَكَانَ كَبِيرًا قَدْ حَنَّكَتْهُ التَّجَارِبُ، فَقَالَ لِابْنِ خَرْمِيلَ: لَا تَخْرُجْ إِلَى لِقَائِهِ وَدَعْهُ يَدْخُلُ إِلَيْكَ مُنْفَرِدًا، فَإِنَّنِي أَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ بِكَ، وَأَنْ يَكُونَ خُوَارِزْمُ شَاهْ أَمَرَ بِذَلِكَ. فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْدَمَ مِثْلُ هَذَا الْأَمِيرِ وَلَا أَلْتَقِيهِ، وَأَخَافُ أَنْ يَضْطَغِنَ ذَلِكَ عَلَيَّ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَمَا أَظُنُّهُ يَتَجَاسَرُ عَلَيَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute