فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ خَرْمِيلَ، فَلَمَّا بَصُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ تَرَجَّلَ لِلِالْتِقَاءِ وَكَانَ جُلْدَكُ قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ، فَاخْتَلَطُوا بِهِمَا، وَحَالُوا بَيْنَ ابْنِ خَرْمِيلَ وَأَصْحَابِهِ، وَقَبَضُوا عَلَيْهِ. فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ وَأَخْبَرُوا الْوَزِيرَ بِالْحَالِ، فَأَمَرَ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ وَالطُّلُوعِ إِلَى الْأَسْوَارِ، وَاسْتَعَدَّ لِلْحِصَارِ، وَنَزَلَ جُلْدَكُ عَلَى الْبَلَدِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْوَزِيرِ يَتَهَدَّدُهُ، إِنْ لَمْ يُسَلِّمِ الْبَلَدَ، بِقَتْلِ ابْنِ خَرْمِيلَ، فَنَادَى الْوَزِيرُ بِشِعَارِ غِيَاثِ الدِّينِ مَحْمُودٍ الْغُورِيِّ، وَقَالَ لِجُلْدَكَ: لَا أُسَلِّمُ الْبَلَدَ إِلَيْكَ، وَلَا إِلَى الْغَادِرِ ابْنِ خَرْمِيلَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِغِيَاثِ الدِّينِ، وَلِأَبِيهِ قَبْلَهُ.
فَقَدَّمُوا ابْنَ خَرْمِيلَ إِلَى السُّورِ، فَخَاطَبَ الْوَزِيرَ، وَأَمَرَهُ بِالتَّسْلِيمِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقُتِلَ ابْنُ خَرْمِيلَ، وَهَذِهِ عَاقِبَةُ الْغَدْرِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَخْبَارِهِ عِنْدَ شِهَابِ الدِّينِ الْغُورِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى غَدْرِهِ، وَكُفْرَانِهِ الْإِحْسَانَ مِمَّنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ.
فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ خَرْمِيلَ كَتَبَ جُلْدَكُ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ بِجَلِيَّةِ الْحَالِ، فَأَنْفَذَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَى كُزْلَكَ خَانْ - وَالِي نَيْسَابُورَ - وَإِلَى أَمِينِ الدِّينِ أَبِي بَكْرٍ - صَاحِبِ زَوْزَنَ - يَأْمُرُهُمَا بِالْمَسِيرِ إِلَى هَرَاةَ وَحِصَارِهَا وَأَخْذِهَا، فَسَارَا فِي عَشَرَةِ آلَافِ فَارِسٍ، فَنَزَلُوا عَلَى هَرَاةَ، وَرَاسَلُوا الْوَزِيرَ بِالتَّسْلِيمِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: لَيْسَ لَكُمْ مِنَ الْمَحَلِّ مَا يُسَلِّمُ إِلَيْكُمْ مِثْلَ هَرَاةَ، لَكِنْ إِذَا وَصَلَ السُّلْطَانُ خُوَارِزْمُ شَاهْ سَلَّمْتُهَا إِلَيْهِ. فَقَاتَلُوهُ، وَجَدُّوا فِي قِتَالِهِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ.
وَكَانَ ابْنُ خَرْمِيلَ قَدْ حَصَّنَ هَرَاةَ، وَعَمِلَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَسْوَارٍ مَحْكَمَةٍ، وَحَفَرَ خَنْدَقَهَا، وَشَحَنَهَا بِالْمِيرَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كُلِّ مَا أَرَادَ قَالَ: بَقِيتُ أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَنْ تُسَكَّرَ الْمِيَاهُ الَّتِي لَهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً، ثُمَّ تُرْسَلُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَتَخْرِقُ أَسْوَارَهَا. فَلَمَّا حَصَرَهَا هَؤُلَاءِ سَمِعُوا قَوْلَ ابْنِ خَرْمِيلَ، فَسَكَّرُوا الْمِيَاهَ حَتَّى اجْتَمَعَتْ كَثِيرًا، ثُمَّ أَطْلَقُوهَا عَلَى هَرَاةَ فَأَحَاطَتْ بِهَا وَلَمْ تَصِلْ إِلَى السُّورِ لِأَنَّ أَرْضَ الْمَدِينَةِ مُرْتَفِعَةٌ، فَامْتَلَأَ الْخَنْدَقُ مَاءً، وَصَارَ حَوْلَهَا وَحْلًا، فَانْتَقَلَ الْعَسْكَرُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْقِتَالُ لِبُعْدِهِمْ عَنِ الْمَدِينَةِ. وَهَذَا كَانَ قَصْدَ ابْنِ خَرْمِيلَ: أَنْ يَمْتَلِئَ الْخَنْدَقُ مَاءً،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute