وَيَمْنَعَ الْوَحْلُ مِنَ الْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَقَامُوا مُدَّةً حَتَّى نَشِفَ الْمَاءُ، فَكَانَ قَوْلُ ابْنِ خَرْمِيلَ مِنْ أَحْسَنِ الْحِيَلِ.
وَنَعُودُ إِلَى قِتَالِ خُوَارِزْمَ شَاهِ الْخَطَا وَأَسْرِهِ، وَأَمَّا خُوَارِزْمُ شَاهْ فَإِنَّهُ دَامَ الْقِتَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَطَا، فَفِي بَعْضِ الْأَيَّامِ اقْتَتَلُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَدَامَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ هَزِيمَةً قَبِيحَةً، وَأُسِرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقُتِلَ كَثِيرٌ. وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْرَى خُوَارِزْمُ شَاهْ، وَأُسِرَ مَعَهُ أَمِيرٌ كَبِيرٌ يُقَالُ لَهُ فُلَانُ بْنُ شِهَابِ الدِّينِ [مَسْعُودٍ] أَسَرَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ.
وَوَصَلَتِ الْعَسَاكِرُ الْإِسْلَامِيَّةُ إِلَى خُوَارِزْمَ، وَلَمْ يَرَوُا السُّلْطَانَ مَعَهُمْ، فَأَرْسَلَتِ أُخْتُ كُزْلَكَ خَانْ - صَاحِبِ نَيْسَابُورَ - وَهُوَ يُحَاصِرُ هَرَاةَ، وَأَعْلَمَتْهُ الْحَالَ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْخَبَرُ سَارَ عَنْ هَرَاةَ لَيْلًا إِلَى نَيْسَابُورَ، وَأَحَسَّ بِهِ الْأَمِيرُ أَمِينُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ - صَاحِبُ زَوْزَنَ - فَأَرَادَ هُوَ وَمَنْ عِنْدِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ مَنْعَهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ يَطْمَعُ بِسَبَبِهَا أَهْلُ هَرَاةَ فِيهِمْ، فَيَخْرُجُونَ إِلَيْهِمْ فَيَبْلُغُونَ مِنْهُمْ مَا يُرِيدُونَهُ، فَأَمْسَكُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ.
وَكَانَ خُوَارِزْمُ شَاهْ قَدْ خَرَّبَ سُورَ نَيْسَابُورَ لَمَّا مَلَكَهَا مِنَ الْغُورِيَّةِ، فَشَرَعَ كُزْلَكَ خَانْ يُعَمِّرُهُ، وَأَدْخَلَ إِلَيْهَا الْمِيرَةَ، وَاسْتَكْثَرَ مِنَ الْجُنْدِ، وَعَزَمَ عَلَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى خُرَاسَانَ إِنْ صَحَّ فَقْدُ السُّلْطَانِ.
وَبَلَغَ خَبَرُ عَدْمِ السُّلْطَانِ إِلَى أَخِيهِ عَلِيٍّ شَاهْ وَهُوَ بِطَبَرِسْتَانَ، فَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَقَطَعَ خُطْبَةَ أَخِيهِ وَاسْتَعَدَّ لِطَلَبِ السَّلْطَنَةِ، وَاخْتَلَطَتْ خُرَاسَانُ اخْتِلَاطًا عَظِيمًا.
وَأَمَّا السُّلْطَانُ خُوَارِزْمُ شَاهْ فَإِنَّهُ لَمَّا أُسِرَ قَالَ لَهُ ابْنُ شِهَابِ الدِّينِ مَسْعُودٍ: يَجِبُ أَنْ تَدَعَ السَّلْطَنَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَتَصِيرَ خَادِمًا لَعَلِيٍّ أَحْتَالُ فِي خَلَاصِكَ، فَشَرَعَ يَخْدِمُ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَيُقَدِّمُ لَهُ الطَّعَامَ، وَيُخْلِعَهُ ثِيَابَهُ وَخُفَّهُ، وَيُعَظِّمَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ الَّذِي أَسَرَهُمَا لِابْنِ مَسْعُودٍ: أَرَى هَذَا الرَّجُلَ يُعَظِّمُكَ، فَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا فُلَانٌ، وَهَذَا غُلَامِي. فَقَامَ إِلَيْهِ وَأَكْرَمَهُ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ الْقَوْمَ عَرَفُوا بِمَكَانِكَ عِنْدِي لَأَطْلَقْتُكَ، ثُمَّ تَرَكَهُ أَيَّامًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَرْجِعَ الْمُنْهَزِمُونَ، فَلَا يَرَانِي أَهْلِي مَعَهُمْ فَيَظُنُّونَ أَنِّي قُتِلْتُ، فَيَعْمَلُونَ الْعَزَاءَ وَالْمَأْتَمَ، وَتَضِيقُ صُدُورُهُمْ لِذَلِكَ ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute