الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ. ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ، وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيَّ أَنْ لَا أُحْدِثَ شَيْئًا لَقَتَلْتُهُ.
قَالَ حُذَيْفَةُ: فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مِرْطٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَدْخَلَنِي بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَطَرَحَ عَلَيَّ طَرَفَ الْمِرْطِ، فَلَمَّا سَلَّمَ خَبَّرْتُهُ الْخَبَرَ.
وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ، فَعَادُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا عَادُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا. فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ.
[ذِكْرُ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ]
لَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَوَضَعَ الْمُسْلِمُونَ السِّلَاحَ، وَضَرَبَ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قُبَّةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ أَتَى جِبْرَائِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ جِبْرَائِيلُ: مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَأَنَا عَامِدٌ إِلَيْهِمْ. «فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. وَقَدَّمَ عَلِيًّا إِلَيْهِمْ بِرَايَتِهِ، وَتَلَاحَقَ النَّاسُ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَاهُ رِجَالٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فَصَلَّوُا الْعَصْرَ بِهَا، وَمَا عَابَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ شَهْرًا وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ أَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ مِنَ الْأَوْسِ، نَسْتَشِيرُهُ، فَأَرْسَلَهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَبَكَى النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَرَقَّ لَهُمْ، فَقَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ. قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: فَمَا زَالَتْ قَدَمَايَ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقَمْتُ بِمَكَانٍ عَصَيْتُ اللَّهَ فِيهِ. وَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute