للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ]

٩٤ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ

ذِكْرُ قَتْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ

قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.

وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ خُرُوجَهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ جَعَلَهُ عَلَى عَطَاءِ الْجُنْدِ حِينَ وَجَّهَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى رُتْبِيلَ لِقِتَالِهِ، فَلَمَّا خَلَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْحَجَّاجَ كَانَ سَعِيدٌ فِيمَنْ خَلَعَ، فَلَمَّا هُزِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَدَخَلَ بِلَادَ رُتْبِيلَ هَرَبَ سَعِيدٌ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَامِلِهَا بِأَخْذِ سَعِيدٍ، فَخَرَجَ الْعَامِلُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَى سَعِيدٍ يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ وَيَأْمُرُهُ بِمُفَارَقَتِهِ، فَسَارَ عَنْهُ فَأَتَى أَذْرَبِيجَانَ، فَطَالَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَاغْتَمَّ بِهَا، فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ بِهَا هُوَ وَأُنَاسٌ أَمْثَالُهُ يَسْتَخْفُونَ، فَلَا يُخْبِرُونَ أَحَدًا أَسْمَاءَهُمْ.

فَلَمَّا وَلِيَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَكَّةَ، قِيلَ لِسَعِيدٍ: إِنَّهُ رَجُلُ سَوْءٍ، فَلَوْ سِرْتَ عَنْ مَكَّةَ. قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ فَرَرْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللَّهِ، وَسَيَجِيئُنِي مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي. فَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ مَكَّةَ كَتَبَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ بِحَمْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَأَخَذَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدًا وَطَلْقَ بْنَ حَبِيبٍ، فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَاتَ طَلْقٌ بِالطَّرِيقِ، وَحُبِسَ مُجَاهِدٌ حَتَّى مَاتَ الْحَجَّاجُ.

وَكَانَ سَيْرُهُمْ مَعَ حَرَسَيْنِ، فَانْطَلَقَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَةٍ وَبَقِيَ الْآخَرُ، فَقَالَ لِسَعِيدٍ، وَقَدِ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ لَيْلًا: يَا سَعِيدُ، إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ دَمِكَ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي، فَقِيلَ لِي: وَيْلَكَ! تَبَرَّأْ مِنْ دَمِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ! فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنِّي لَا أَطْلُبُكَ. فَأَبَى سَعِيدٌ، فَرَأَى ذَلِكَ الْحَرَسُ مِثْلَ تِلْكَ الرُّؤْيَا ثَلَاثًا، وَيَأْذَنُ لِسَعِيدٍ فِي الذَّهَابِ وَهُوَ لَا يَفْعَلُ.

فَقَدِمُوا بِهِ الْكُوفَةَ، فَأُنْزِلَ فِي دَارِهِ، وَأَتَاهُ قُرَّاءُ الْكُوفَةِ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وَهُوَ يَضْحَكُ وَبُنَيَّةٌ لَهُ فِي حِجْرِهِ، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى الْقَيْدِ فِي رِجْلِهِ بَكَتْ، ثُمَّ أَدْخَلُوهُ عَلَى الْحَجَّاجِ، فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ، قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ النَّصْرَانِيَّةِ! يَعْنِي خَالِدًا، وَكَانَ هُوَ أَرْسَلَهُ، أَمَّا كُنْتُ أَعْرِفُ مَكَانَهُ؟ بَلَى وَاللَّهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا سَعِيدُ أَلَمْ أُشْرِكْكَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>