الْحَارِثُ وَأُحْضِرَ عِنْدَ الْمَلِكِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ أَجَرْتَنِي فَلَا تَغْدِرْ بِي. فَقَالَ: إِنْ غَدَرْتُ بِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ غَدَرْتَ بِي مِرَارًا. فَقَتَلَهُ.
[أَيَّامُ دَاحِسَ وَالْغَبْرَاءِ، وَهِيَ بَيْنَ عَبْسٍ وَذُبْيَانَ]
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ الْعَبْسِيَّ سَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُجَهِّزَ لِقِتَالِ عَامِرٍ وَالْأَخْذِ بِثَأْرِ أَبِيهِ، فَأَتَى أُحَيْحَةَ بْنَ الْجُلَاحِ يَشْتَرِي مِنْهُ دِرْعًا مَوْصُوفَةً. فَقَالَ لَهُ: لَا أَبِيعُهَا وَلَوْلَا أَنْ تَذُمَّنِي بَنُو عَامِرٍ لَوَهَبْتُهَا مِنْكَ وَلَكِنِ اشْتَرِهَا بِابْنِ لَبُونٍ. فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَخَذَ الدِّرْعَ، وَتُسَمَّى ذَاتِ الْحَوَاشِي، وَوَهَبَهُ أُحَيْحَةُ أَيْضًا أَدْرَاعًا، وَعَادَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ جِهَازِهِ. فَاجْتَازَ بِالرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ الْعَبْسِيِّ فَدَعَاهُ إِلَى مُسَاعَدَتِهِ عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِهِ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ. فَلَمَّا أَرَادَ فِرَاقَهُ نَظَرَ الرَّبِيعُ إِلَى عَيْبَتِهِ فَقَالَ: مَا فِي حَقِيبَتِكَ؟ قَالَ: مَتَاعٌ عَجِيبٌ لَوْ أَبْصَرْتَهُ لَرَاعَكَ، وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَأَخْرَجَ الدِّرْعَ مِنَ الْحَقِيبَةِ، فَأَبْصَرَهَا الرَّبِيعُ فَأَعْجَبَتْهُ وَلَبِسَهَا، فَكَانَتْ فِي طُولِهِ. فَمَنَعَهَا مِنْ قَيْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ إِيَّاهَا، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَلَجَّ قَيْسٌ فِي طَلَبِهَا، وَلَجَّ الرَّبِيعُ فِي مَنْعِهَا. فَلَمَّا طَالَتِ الْأَيَّامُ عَلَى ذَلِكَ سَيَّرَ قَيْسٌ أَهْلَهُ إِلَى مَكَّةَ وَأَقَامَ يَنْتَظِرُ غِرَّةَ الرَّبِيعِ.
ثُمَّ إِنَّ الرَّبِيعَ سَيَّرَ إِبِلَهُ وَأَمْوَالَهُ إِلَى مَرْعًى كَثِيرِ الْكَلَإِ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ فَظَعَنُوا، وَرَكِبَ فَرَسَهُ وَسَارَ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ قَيْسًا فَسَارَ فِي أَهْلِهِ وَإِخْوَتِهِ، فَعَارَضَ ظَعَائِنَ الرَّبِيعِ، وَأَخَذَ زِمَامَ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْخُرْشُبِ وَزِمَامَ زَوْجَتِهِ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ أُمُّ الرَّبِيعِ: مَا تُرِيدُ يَا قَيْسُ؟ قَالَ: أَذْهَبُ بِكُنَّ إِلَى مَكَّةَ فَأَبِيعُكُنَّ بِهَا بِسَبَبِ دِرْعِي. قَالَتْ: وَهِيَ فِي ضَمَانِي وَخَلِّ عَنَّا، فَفَعَلَ. فَلَمَّا جَاءَتْ إِلَى ابْنِهَا قَالَتْ لَهُ فِي مَعْنَى الدِّرْعِ، فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الدِّرْعَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى قَيْسٍ أَعْلَمَتْهُ بِمَا قَالَ الرَّبِيعُ، فَأَغَارَ عَلَى نَعَمِ الرَّبِيعِ فَاسْتَاقَ مِنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute