أَرْبَعَمِائَةِ بَعِيرٍ وَسَارَ بِهَا إِلَى مَكَّةَ فَبَاعَهَا وَاشْتَرَى بِهَا خَيْلًا، وَتَبِعَهُ الرَّبِيعُ فَلَمْ يَلْحَقْهُ، فَكَانَ فِيمَا اشْتَرَى مِنَ الْخَيْلِ دَاحِسٌ وَالْغَبْرَاءُ.
وَقِيلَ: إِنَّ دَاحِسًا كَانَ مِنْ خَيْلِ بَنِي يَرْبُوعٍ، وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ أَخَذَ فَرَسًا لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ يُقَالُ لَهُ أُنَيْفُ بْنُ جَبَلَةَ، وَكَانَ الْفَرَسُ يُسَمَّى السِّبْطَ، وَكَانَتْ أُمُّ دَاحِسٍ لِلْيَرْبُوعِيِّ، فَطَلَبَ الْيَرْبُوعِيُّ مِنَ الضَّبِّيِّ أَنْ يُنْزِيَ فَرَسَهُ عَلَى حِجْرِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ عَمَدَ الْيَرْبُوعِيُّ إِلَى فَرَسِ الضَّبِّيِّ فَأَخَذَهُ فَأَنْزَاهُ عَلَى فَرَسِهِ، فَاسْتَيْقَظَ الضَّبِّيُّ فَلَمْ يُرَ فَرَسُهُ فَنَادَى فِي قَوْمِهِ، فَأَجَابُوهُ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْيَرْبُوعِيِّ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَغَضِبَ ضَبَّةُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَعْجَلُوا، دُونَكُمْ نُطْفَةُ فَرَسِكُمْ فَخُذُوهَا. فَقَالَ الْقَوْمُ: قَدْ أَنْصَفَ. فَسَطَا عَلَيْهَا رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَدَسَّ يَدَهُ فِي رَحِمِهَا فَأَخَذَ مَا فِيهَا، فَلَمْ تَزِدِ الْفَرَسُ إِلَّا لِقَاحًا فَنَتَجَتْ مُهْرًا فَسُمِّيَ دَاحِسًا بِهَذَا السَّبَبِ.
فَكَانَ عِنْدَ الْيَرْبُوعِيِّ ابْنَانِ لَهُ، وَأَغَارَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ عَلَى بَنِي يَرْبُوعٍ فَنَهَبَ وَسَبَى، وَرَأَى الْغُلَامَيْنِ أَحَدَهُمَا عَلَى دَاحِسٍ وَالْآخِرَ عَلَى الْغَبْرَاءِ فَطَلَبَهُمَا فَلَمْ يَلْحَقْهُمَا، فَرَجَعَ وَفِي السَّبْيِ أُمُّ الْغُلَامَيْنِ وَأُخْتَانِ لَهُمَا وَقَدْ وَقَعَ دَاحِسٌ وَالْغَبْرَاءُ فِي قَلْبِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِيعِ مَا وَقَعَ. ثُمَّ جَاءَ وَفْدُ بَنِي يَرْبُوعٍ فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى وَالسَّبْيِ، فَأَطْلَقَ الْجَمِيعَ إِلَّا أُمَّ الْغُلَامَيْنِ وَأُخْتَيْهِمَا وَقَالَ: إِنْ أَتَانِي الْغُلَامَانِ بِالْمُهْرِ وَالْفَرَسِ الْغَبْرَاءِ وَإِلَّا فَلَا. فَامْتَنَعَ الْغُلَامَانِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ شَيْخٌ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ قَيْسٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْغُلَامَيْنِ، وَهِيَ:
إِنَّ مُهْرًا فَدَى الرِّبَابَ وَجُمْلًا ... وَسُعَادًا لَخَيْرُ مُهْرِ أُنَاسِ
ادْفَعُوا دَاحِسًا بِهِنَّ سِرَاعًا ... إِنَّهَا مِنْ فِعَالِهَا الْأَكْيَاسِ
دُونَهَا وَالَّذِي يَحُجُّ لَهُ النَّا ... سُ سَبَايَا يُبَعْنَ بِالْأَفْرَاسِ
إِنَّ قَيْسًا يَرَى الْجَوَادَ مِنَ الْخَيْ ... لِ حَيَاةً فِي مُتْلِفِ الْأَنْفَاسِ
يَشْتَرِي الطِّرْفَ بِالْجَرَاجِرَةِ الْجِ ... لَّةِ يُعْطِي عَفْوًا بِغَيْرِ مِكَاسِ
فَلَمَّا انْتَهَتِ الْأَبْيَاتُ إِلَى بَنِي يَرْبُوعٍ قَادُوا الْفَرَسَيْنِ إِلَى قَيْسٍ وَأَخَذُوا النِّسَاءَ.
وَقِيلَ: إِنَّ قَيْسًا أَنْزَى دَاحِسًا عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَجَاءَتْ بِمُهْرَةٍ فَسَمَّاهَا الْغَبْرَاءَ.
ثُمَّ إِنَّ قَيْسًا أَقَامَ بِمَكَّةَ فَكَانَ أَهْلُهَا يُفَاخِرُونَهُ، وَكَانَ فَخُورًا، فَقَالَ لَهُمْ: نَحُّوا كَعْبَتَكُمْ عَنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute