للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَرَمَكُمْ وَهَاتُوا مَا شِئْتُمْ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ: إِذَا لَمْ نُفَاخِرْكَ بِالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَبِالْحَرَمِ الْآمِنِ فَبِمَ نُفَاخِرُكَ؟ فَمَلَّ قَيْسٌ مُفَاخَرَتَهُمْ وَعَزَمَ عَلَى الرِّحْلَةِ عَنْهُمْ، وَسَرَّ ذَلِكَ قُرَيْشًا لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا كَرِهُوا مُفَاخَرَتَهُ، فَقَالَ لِإِخْوَتِهِ: ارْحَلُوا بِنَا مِنْ عِنْدِهِمْ أَوَّلًا وَإِلَّا تَفَاقَمَ الشَّرُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَالْحَقُوا بِبَنِي بَدْرٍ فَإِنَّهُمْ أَكْفَاؤُنَا فِي الْحَسَبِ، وَبَنُو عَمِّنَا فِي النَّسَبِ، وَأَشْرَافُ قَوْمِنَا فِي الْكَرَمِ، وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الرَّبِيعُ أَنْ يَتَنَاوَلَنَا مَعَهُمْ. فَلَحِقَ قَيْسٌ وَإِخْوَتُهُ بِبَنِي بَدْرٍ، وَقَالَ فِي مَسِيرِهِ إِلَيْهِمْ:

أَسِيرُ إِلَى بَنِي بَدْرٍ بِأَمْرٍ ... هُمُ فِيهِ عَلَيْنَا بِالْخِيَارِ

فَإِنْ قَبِلُوا الْجِوَارَ فَخَيْرُ قَوْمٍ ... وَإِنْ كَرِهُوا الْجِوَارَ فَغَيْرُ عَارِ

أَتَيْنَا الْحَارِثَ الْخَيْرَ بْنَ كَعْبٍ ... بِنَجْرَانَ وَأَيُّ لَجًا بِجَارِ

فَجَاوَرْنَا الَّذِينَ إِذَا أَتَاهُمْ ... غَرِيبٌ حَلَّ فِي سَعَةِ الْقَرَارِ

فَيَأْمَنُ فِيهِمُ وَيَكُونُ مِنْهُمْ ... بِمَنْزِلَةِ الشِّعَارِ مِنَ الدِّثَارِ

وَإِنْ نُفْرَدْ بِحَرْبِ بَنِي أَبِينَا ... بِلَا جَارٍ فَإِنَّ اللَّهَ جَارِي

ثُمَّ نَزَلَ بِبَنِي بَدْرٍ فَنَزَلَ بِحُذَيْفَةَ، فَأَجَارَهُ هُوَ وَأَخُوهُ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ، وَأَقَامَ فِيهِمْ، وَكَانَ مَعَهُ أَفْرَاسٌ لَهُ وَلِإِخْوَتِهِ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ مِثْلُهَا، وَكَانَ حُذَيْفَةُ يَغْدُو وَيَرُوحُ إِلَى قَيْسٍ فَيَنْظُرُ إِلَى خَيْلِهِ فَيَحْسُدُهُ عَلَيْهَا وَيَكْتُمُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، وَأَقَامَ قَيْسٌ فِيهِمْ زَمَانًا يُكْرِمُونَهُ وَإِخْوَتَهُ، فَغَضِبَ الرَّبِيعُ وَنَقِمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:

أَلَا أَبْلِغْ بَنِي بَدْرٍ رَسُولًا ... عَلَى مَا كَانَ مِنْ شَنَإٍ وَوَتْرِ

بِأَنِّي لَمْ أَزَلْ لَكُمُ صَدِيقًا ... أُدَافِعُ عَنْ فَزَارَةَ كُلَّ أَمْرِ

أُسَالِمُ سِلْمَكُمْ وَأَرُدُّ عَنْكُمْ ... فَوَارِسَ أَهْلِ نَجْرَانَ وَحَجْرِ

وَكَانَ أَبِي ابْنُ عَمِّكُمُ زِيَادٌ ... صَفِيَّ أَبِيكُمُ بَدْرِ بْنِ عَمْرِو

فَأَلْجَأْتُمُ أَخَا الْغَدَرَاتِ قَيْسًا ... فَقَدْ أَفْعَمْتُمُ إِيغَارَ صَدْرِي

فَحَسْبِي مِنْ حُذَيْفَةَ ضَمُّ قَيْسٍ ... وَكَانَ الْبَدْءُ مِنْ حَمَلِ بْنِ بَدْرِ

فَإِمَّا تَرْجِعُوا أَرْجِعْ إِلَيْكُمْ ... وَإِنْ تَأْبَوْا فَقَدْ أَوْسَعْتُ عُذْرِي

فَلَمْ يَتَغَيَّرُوا عَنْ جِوَارِ قَيْسٍ. فَغَضِبَ الرَّبِيعُ وَغَضِبَتْ عَبْسٌ لِغَضَبِهِ، ثُمَّ إِنَّ حُذَيْفَةَ كَرِهَ قَيْسًا وَأَرَادَ إِخْرَاجَهُ عَنْهُمْ فَلَمْ يَجِدْ حُجَّةً، وَعَزَمَ قَيْسٌ عَلَى الْعُمْرَةِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي قَدْ عَزَمْتُ عَلَى الْعُمْرَةِ فَإِيَّاكُمْ أَنْ تُلَابِسُوا حُذَيْفَةَ بِشَيْءٍ، وَاحْتَمِلُوا عَلَى مَا يَكُونُ مِنْهُ حَتَّى أَرْجِعَ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ الشَّرَّ فِي وَجْهِهِ، وَلَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى حَاجَتِهِ مِنْكُمْ إِلَّا أَنْ تُرَاهِنُوهُ عَلَى الْخَيْلِ. وَكَانَ ذَا رَأْيٍ لَا يُخْطِئُ فِي مَا يُرِيدُهُ، وَسَارَ إِلَى مَكَّةَ.

ثُمَّ إِنَّ فَتًى مِنْ عَبْسٍ يُقَالُ لَهُ وَرْدُ بْنُ مَالِكٍ أَتَى حُذَيْفَةَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ وَرْدٌ: لَوِ

<<  <  ج: ص:  >  >>