[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ]
٩٨ -
ذِكْرُ مُحَاصَرَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى دَابِقٍ، وَجَهَّزَ جَيْشًا مَعَ أَخِيهِ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ لِيَسِيرَ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَمَاتَ مَلِكُ الرُّومِ، فَأَتَاهُ أَلْيُونُ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ فَأَخْبَرَهُ، فَضَمِنَ لَهُ فَتْحَ الرُّومِ، فَوَجَّهَ مَسْلَمَةَ مَعَهُ، فَسَارَا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا أَمَرَ كُلَّ فَارِسٍ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ مُدَّيْنِ مِنْ طَعَامٍ عَلَى عَجُزِ فَرَسِهِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا أَتَاهَا أَمَرَ بِالطَّعَامِ فَأُلْقِيَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، وَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَأَغِيرُوا فِي أَرْضِهِمْ وَازْرَعُوا. وَعَمِلَ بُيُوتًا مِنْ خَشَبٍ، فَشَتَّى فِيهَا وَصَافَ، وَزَرَعَ النَّاسُ، وَبَقِيَ الطَّعَامُ فِي الصَّحْرَاءِ وَالنَّاسُ يَأْكُلُونَ مَا أَصَابُوا مِنَ الْغَارَاتِ وَمِنَ الزَّرْعِ، وَأَقَامَ مَسْلَمَةُ قَاهِرًا لِلرُّومِ مَعَهُ أَعْيَانُ النَّاسِ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، وَمُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا الْخُزَاعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
فَأَرْسَلَ الرُّومُ إِلَى مَسْلَمَةَ يُعْطُونَهُ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ دِينَارًا، فَلَمْ يَقْبَلْ. فَقَالَتِ الرُّومُ لَأَلْيُونَ: إِنْ صَرَفْتَ عَنَّا الْمُسْلِمِينَ مَلَّكْنَاكَ. فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُمْ، فَأَتَى مَسْلَمَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الرُّومَ قَدْ عَلِمُوا أَنَّكَ لَا تَصْدُقُهُمُ الْقِتَالَ، وَأَنَّكَ تُطَاوِلُهُمْ مَا دَامَ الطَّعَامُ عِنْدَكَ، فَلَوْ أَحْرَقْتَهُ أَعْطَوُا الطَّاعَةَ بِأَيْدِيهِمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُحْرِقَ، فَقَوِيَ الرُّومُ وَضَاقَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى كَادُوا يَهْلِكُونَ، وَبَقُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ سُلَيْمَانُ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا خَدَعَ أَلْيُونَ مَسْلَمَةَ بِأَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يُدْخِلَ الطَّعَامَ إِلَى الرُّومِ بِمِقْدَارِ مَا يَعِيشُونَ بِهِ لَيْلَةً وَاحِدَةً، لِيُصَدِّقُوهُ أَنَّ أَمْرَهُ وَأَمْرَ مَسْلَمَةَ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ مِنَ السَّبْيِ وَالْخُرُوجِ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ، وَكَانَ أَلْيُونُ قَدِ اعَدَّ السُّفُنَ وَالرِّجَالَ، فَنَقَلُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ الطَّعَامَ، فَلَمْ يَتْرُكُوا فِي تِلْكَ الْحَظَائِرِ إِلَّا مَا لَا يَذْكَرُ، وَأَصْبَحَ أَلْيُونُ مُحَارِبًا، وَقَدْ خُدِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute