وَأُخْبِرَ الْمُثَنَّى أَنَّ جُمْهُورَ مَنْ سَلَكَ الْبِلَادَ قَدِ انْتَجَعَ شَاطِئَ دِجْلَةَ، فَخَرَجَ الْمُثَنَّى وَعَلَى مُجَنِّبَتَيْهِ النُّعْمَانُ بْنُ عَوْفٍ وَمَطَرُ الشَّيْبَانِيَّانِ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ حُذَيْفَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْغَلْفَانِيُّ، فَسَارُوا فِي طَلَبِهِمْ فَأَدْرَكُوهُمْ بِتَكْرِيتَ، فَأَصَابُوا مَا شَاءُوا مِنَ النَّعَمِ، وَعَادَ إِلَى الْأَنْبَارِ. وَمَضَى عُتَيْبَةُ وَفُرَاتُ وَمَنْ مَعَهُمَا حَتَّى أَغَارُوا عَلَى صِفِّينَ وَبِهَا النَّمِرُ وَتَغْلِبُ مُتَسَانِدِينَ، فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى رَمَوْا طَائِفَةً مِنْهُمْ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُمْ: الْغَرَقَ الْغَرَقَ! وَجَعَلَ عُتَيْبَةُ وَفُرَاتُ يَذْمُرَانِ النَّاسَ وَيُنَادِيَانِهِمْ: تَغْرِيقٌ بِتَحْرِيقٍ! يُذَكِّرَانِهِمْ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ أَحْرَقُوا فِيهِ قَوْمًا مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فِي غَيْضَةٍ مِنَ الْغِيَاضِ. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْمُثَنَّى وَقَدْ غَرَّقُوهُمْ، وَقَدْ بَلَغَ الْخَبَرُ عُمَرَ فَبَعَثَ إِلَى عُتَيْبَةَ وَفُرَاتَ فَاسْتَدْعَاهُمَا، فَسَأَلَهُمَا عَنْ قَوْلِهِمَا، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا لَمْ يَفْعَلَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ طَلَبِ ذَحْلٍ، إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ فَاسْتَحْلَفَهُمَا وَرَدَّهُمَا إِلَى الْمُثَنَّى.
(عُتَيْبَةُ بْنُ النَّهَّاسِ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقِهَا، وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِهَا، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ) .
[ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنِ الَّذِي هَيَّجَ أَمْرَ الْقَادِسِيَّةِ وَمَلِكَ يَزْدَجِرْدَ]
لَمَّا رَأَى أَهْلُ فَارِسَ مَا يَفْعَلُ الْمُسْلِمُونَ بِالسَّوَادِ قَالُوا لِرُسْتُمَ وَالْفَيْرُزَانَ، وَهُمَا عَلَى أَهْلِ فَارِسَ: لَمْ يَبْرَحْ بِكُمَا الِاخْتِلَافُ حَتَّى وَهَّنْتُمَا أَهْلَ فَارِسَ، وَأَطْمَعْتُمَا فِيهِمْ عَدُوَّهُمْ، وَلَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَمْرِكُمَا أَنَّ نُقِرَّكُمَا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ، وَأَنْ تُعَرِّضَاهَا لِلْهَلَكَةِ، مَا بَعْدَ بَغْدَادَ وَسَابَاطَ وَتَكْرِيتَ إِلَّا الْمَدَائِنَ، وَاللَّهِ لَتَجْتَمِعَانِ أَوْ لَنَبْدَأَنَّ بِكُمَا، ثُمَّ نَهْلِكُ وَقَدِ اشْتَفَيْنَا مِنْكُمَا. فَقَالَ الْفَيْرُزَانُ وَرُسْتُمُ لِبُورَانَ ابْنَةِ كِسْرَى: اكْتُبِي لَنَا نِسَاءَ كِسْرَى وَسَرَارِيَّهُ وَنِسَاءَ آلِ كِسْرَى وَسَرَارِيَّهُمْ، فَفَعَلَتْ، فَأَحْضَرُوهُنَّ جَمِيعَهُنَّ، وَأَخَذُوهُنَّ بِالْعَذَابِ يَسْتَدِلُّونَهُنَّ عَلَى ذَكَرٍ مِنْ أَبْنَاءِ كِسْرَى، فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَحَدٌ، وَقَالَ بِعَضُهُنَّ: لَمْ يَبْقَ إِلَّا غُلَامٌ يُدْعَى يَزْدَجِرْدَ مِنْ وَلَدِ شَهْرَيَارَ بْنِ كِسْرَى، وَأُمُّهُ مِنْ أَهْلِ بَادُورَيَا.
فَأَرْسَلُوا إِلَيْهَا وَطَلَبُوهُ مِنْهَا، وَكَانَتْ قَدْ أَنْزَلَتْهُ أَيَّامَ شِيرَى حِينَ جَمَعَهُنَّ فَقَتَلَ الذُّكُورَ، وَأَرْسَلَتْهُ إِلَى أَخْوَالِهِ، فَلَمَّا سَأَلُوهَا عَنْهُ دَلَّتْهُمْ عَلَيْهِ، فَجَاءُوا بِهِ فَمَلَّكُوهُ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، فَاطْمَأَنَّتْ فَارِسُ وَاسْتَوْثَقُوا، وَتَبَارَى الْمَرَازِبَةُ فِي طَاعَتِهِ وَمَعُونَتِهِ، فَسَمَّى الْجُنُودَ لِكُلِّ مَسْلَحَةٍ وَثَغْرٍ، فَسَمَّى جُنْدَ الْحِيرَةِ وَالْأُبُلَّةِ وَالْأَنْبَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمُ الْمُثَنَّى وَالْمُسْلِمِينَ، فَكَتَبُوا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمَا يَنْتَظِرُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute