يَقُولُونَ: مَا أَسْرَعَ الْقَوْمَ فِي طَلَبِنَا، فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ: احْمَدُوا اللَّهَ وَسَلُوهُ الْعَافِيَةَ، وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَانْظُرُوا فِي الْأُمُورِ وَقَدِّرُوهَا ثُمَّ تَكَلَّمُوا، إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغِ النَّذِيرُ مَدِينَتَهُمْ بَعْدُ، وَلَوْ بَلَغَهُمْ لَحَالَ الرُّعْبُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ طَلَبِكُمْ، إِنَّ لِلْغَارَاتِ رَوْعَاتٍ تُضْعِفُ الْقُلُوبَ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، وَلَوْ طَلَبَكُمُ الْمُحَامُونَ مِنْ رَأْيِ الْعَيْنِ مَا أَدْرَكُوكُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الْعِرَابِ حَتَّى تَنْتَهُوا إِلَى عَسْكَرِكُمْ، وَلَوْ أَدْرَكُوكُمْ لَقَاتَلْتُهُمُ الْتِمَاسَ الْأَجْرِ وَرَجَاءَ النَّصْرِ، فَثِقُوا بِاللَّهِ وَأَحْسِنُوا بِهِ الظَّنَّ، فَقَدْ نَصَرَكُمْ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ.
ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَى الْأَنْبَارِ، وَكَانَ مَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَمْخَرُونَ السَّوَادَ وَيَشُنُّونَ الْغَارَاتِ مَا بَيْنَ أَسْفَلَ كَسْكَرَ وَأَسْفَلَ الْفُرَاتِ، وَجَسُّوا مِثْقَبًا إِلَى عَيْنِ التَّمْرِ وَفِي أَرْضِ الْفَلَالِيجِ، وَالْمُثَنَّى بِالْأَنْبَارِ.
وَلَمَّا رَجَعَ الْمُثَنَّى مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الْأَنْبَارِ بَعَثَ الْمُضَارِبَ الْعِجْلِيَّ فِي جَمْعٍ إِلَى الْكَبَاثِ وَعَلَيْهِ فَارِسُ الْعُنَابِ التَّغْلِبِيُّ، ثُمَّ لَحِقَهُمُ الْمُثَنَّى فَسَارَ مَعَهُمْ، فَوَجَدُوا الْكَبَاثَ قَدْ سَارَ مَنْ كَانَ بِهِ، وَمَعَهُمْ فَارِسُ الْعُنَابِ، فَسَارَ الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ فَلَحِقُوهُ وَقَدْ رَحَلَ مِنَ الْكَبَاثِ، فَقَتَلُوا فِي أُخْرَيَاتِ أَصْحَابِهِ وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ. فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْأَنْبَارِ سَرَّحَ فُرَاتَ بْنَ حَيَّانَ التَّغْلِبِيَّ وَعُتَيْبَةَ بْنَ النَّهَّاسِ وَأَمَرَهُمَا بِالْغَارَةِ عَلَى أَحْيَاءَ مِنْ تَغْلِبَ بِصِفِّينَ، ثُمَّ اتَّبَعَهُمَا الْمُثَنَّى وَاسْتَخْلَفَ عَلَى النَّاسِ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُلْمَى الْهُجَيْمِيَّ. فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ صِفِّينَ فَرَّ مَنْ بِهَا وَعَبَرُوا الْفُرَاتَ إِلَى الْجَزِيرَةِ، وَفَنِيَ الزَّادُ الَّذِي مَعَ الْمُثَنَّى وَأَصْحَابِهِ، فَأَكَلُوا رَوَاحِلَهُمْ إِلَّا مَا لَابُدَّ مِنْهُ حَتَّى جُلُودِهَا، ثُمَّ أَدْرَكُوا عِيرًا مِنْ أَهْلِ دَبَا وَحَوْرَانَ، فَقَتَلُوا مَنْ بِهَا، وَأَخَذُوا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ تَغْلِبَ كَانُوا خُفَرَاءَ، وَأَخَذُوا الْعِيرَ، فَقَالَ لَهُمْ: دُلُّونِي. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: آمِنُونِي عَلَى أَهْلِي وَمَالِي، وَأَدُلُّكُمْ عَلَى حَيٍّ مِنْ تَغْلِبَ. فَآمَنَهُ الْمُثَنَّى وَسَارَ مَعَهُمْ يَوْمَهُ، فَهَجَمَ الْعَشِيُّ عَلَى الْقَوْمِ، وَالنَّعَمُ صَادِرَةٌ عَنِ الْمَاءِ، وَأَصْحَابُهَا جُلُوسٌ بِأَفْنِيَةِ الْبُيُوتِ، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَاسْتَاقَ الْأَمْوَالَ، وَكَانَ التَّغْلِبِيُّونَ بَنِي ذِي الرُّوَيْحِلَةِ، فَاشْتَرَى مَنْ كَانَ مَعَ الْمُثَنَّى مِنْ رَبِيعَةَ السَّبَايَا بِنَصِيبِهِ مِنَ الْفَيْءِ وَأَعْتَقُوهُمْ، وَكَانَتْ رَبِيعَةُ لَا تُسَابِي، إِذِ الْعَرَبُ يَتَسَابَوْنَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute