للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَة]

٥٨٩ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ

ذِكْرُ وَفَاةِ صَلَاحِ الدِّينِ وَبَعْضِ سِيرَتِهِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي صَفَرٍ، تُوُفِّيَ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ شَاذِي، صَاحِبُ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنِ الْبِلَادِ، بِدِمَشْقَ، وَمَوْلِدُهُ بِتِكْرِيتَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ انْتِقَالِهِمْ مِنْهَا، وَمُلْكِهِمْ مِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.

وَكَانَ سَبَبُ مَرَضِهِ أَنْ خَرَجَ يَتَلَقَّى الْحَاجَّ، فَعَادَ، وَمَرِضَ مِنْ يَوْمِهِ مَرَضًا حَادًّا، بَقِيَ بِهِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَتُوُفِّيَ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَكَانَ قَبْلَ مَرَضِهِ قَدْ أَحْضَرَ وَلَدَهُ الْأَفْضَلَ عَلِيًّا وَأَخَاهُ الْمَلِكَ الْعَادِلَ أَبَا بَكْرٍ، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيمَا يَفْعَلُ، وَقَالَ: قَدْ تَفَرَّغْنَا مِنَ الْفِرِنْجِ، وَلَيْسَ لَنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ شَاغِلٌ فَأَيُّ جِهَةٍ نَقْصِدُ؟ فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَخُوهُ الْعَادِلُ بِقَصْدِ خِلَاطَ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ وَعَدَهُ، إِذَا أَخَذَهَا، أَنْ يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ.

وَأَشَارَ [عَلَيْهِ] وَلَدُهُ الْأَفْضَلُ بِقَصْدِ بَلَدِ الرُّومِ الَّتِي بِيَدِ أَوْلَادِ قَلْج أَرَسَلَانَ، وَقَالَ: هِيَ أَكْثَرُ بِلَادًا وَعَسْكَرًا وَمَالًا، وَأَسْرَعُ مَأْخَذًا، وَهِيَ أَيْضًا طَرِيقُ الْفِرِنْجِ إِذَا خَرَجُوا عَلَى الْبَرِّ، فَإِذَا مَلَكْنَاهَا مَنَعْنَاهُمْ مِنَ الْعُبُورِ فِيهَا.

فَقَالَ: كِلَاكُمَا مُقَصِّرٌ نَاقِصُ الْهِمَّةِ، بَلْ أَقْصِدُ أَنَا بَلَدَ الرُّومِ، وَقَالَ لِأَخِيهِ: تَأْخُذُ أَنْتَ بَعْضَ أَوْلَادِي وَبَعْضَ الْعَسْكَرِ وَتَقْصِدُ خِلَاطَ، فَإِذَا فَرَغْتَ أَنَا مِنْ بَلَدِ الرُّومِ جِئْتُ إِلَيْكُمْ، وَنَدْخُلُ مِنْهَا أَذْرَبِيجَانَ، وَنَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْعَجَمِ، فَمَا فِيهَا مَنْ يَمْنَعُ عَنْهَا.

ثُمَّ أَذِنَ لِأَخِيهِ الْعَادِلِ فِي الْمُضِيِّ إِلَى الْكَرَكِ، وَكَانَ لَهُ، وَقَالَ لَهُ: تَجَهَّزْ وَاحْضُرْ لِتَسِيرَ، فَلَمَّا سَارَ إِلَى الْكَرَكِ مَرِضَ صَلَاحُ الدِّينِ، وَتُوُفِّيَ قَبْلَ عَوْدِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>