[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمِائَة]
١١٢ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ قَتْلِ الْجَرَّاحِ الْحَكَمِيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ الْجَرَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيُّ. وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ دُخُولِهِ بِلَادَ الْخَزَرِ وَانْهِزَامِهِمْ، فَلَمَّا هَزَمَهُمُ اجْتَمَعَ الْخَزَرُ وَالتُّرْكُ مِنْ نَاحِيَةِ اللَّانِ، فَلَقِيَهُمُ الْجَرَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ رَآهُ النَّاسُ، فَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، وَتَكَاثَرَتِ الْخَزَرُ وَالتُّرْكُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتُشْهِدَ الْجَرَّاحُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بِمَرْجِ أَرْدَبِيلَ، وَكَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَ أَخَاهُ الْحَجَّاجَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى إِرْمِينِيَّةَ.
وَلَمَّا قُتِلَ الْجَرَّاحُ طَمِعَ الْخَزَرُ وَأَوْغَلُوا فِي الْبِلَادِ حَتَّى قَارَبُوا الْمَوْصِلَ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَكَانَ الْجَرَّاحُ خَيِّرًا فَاضِلًا مِنْ عُمَّالِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَرَثَاهُ كَثِيرٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ. وَقِيلَ: كَانَ قَتْلُهُ بِبَلَنْجَرَ.
وَلَمَّا بَلَغَ هِشَامًا خَبَرُهُ دَعَا سَعِيدًا الْحَرَشِيَّ فَقَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْجَرَّاحَ قَدِ انْحَازَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: كَلَّا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الْجَرَّاحُ أَعْرَفُ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ يَنْهَزِمَ، وَلَكِنَّهُ قُتِلَ. قَالَ: فَمَا رَأْيُكَ؟ قَالَ: تَبْعَثُنِي عَلَى أَرْبَعِينَ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّ الْبَرِيدِ، ثُمَّ تَبْعَثُ إِلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، ثُمَّ اكْتُبْ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ يُوَافُونِي.
فَفَعَلَ ذَلِكَ هِشَامٌ، وَسَارَ الْحَرَشِيُّ، فَكَّانِ لَا يَمُرُّ بِمَدِينَةٍ إِلَّا وَيَسْتَنْهِضُ أَهْلَهَا فَيُجِيبُهُ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى مَدِينَةِ أَرْزَنَ، فَلَقِيَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْجَرَّاحِ، وَبَكَوْا وَبَكَى لِبُكَائِهِمْ وَفَرَّقَ فِيهِمْ نَفَقَةً وَرَدَّهُمْ مَعَهُ، وَجَعَلَ لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْجَرَّاحِ إِلَّا رَدَّهُ مَعَهُ، وَوَصَلَ إِلَى خِلَاطٍ، وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ عَلَيْهِ، فَحَصَرَهَا أَيْضًا وَفَتَحَهَا وَقَسَّمَ غَنَائِمَهَا فِي أَصْحَابِهِ.
ثُمَّ سَارَ عَنْ خِلَاطٍ وَفَتَحَ الْحُصُونَ وَالْقِلَاعَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى بَرْذَعَةَ فَنَزَلَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute