[ذِكْرُ خَبَرِ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيِّ]
وَكَانَ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيُّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ قَدْ تَنَبَّأَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَّهَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضِرَارَ بْنَ الْأَزْوَرِ عَامِلًا عَلَى بَنِي أَسَدٍ، وَأَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ، فَضَعُفَ أَمْرُ طُلَيْحَةَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَخْذُهُ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفٍ، فَلَمْ يَصْنَعْ فِيهِ شَيْئًا، فَظَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ السِّلَاحَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ، فَكَثُرَ جَمْعُهُ. وَمَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ طُلَيْحَةُ يَقُولُ: إِنَّ جِبْرَائِيلَ يَأْتِينِي، وَسَجَعَ لِلنَّاسِ الْأَكَاذِيبَ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِتَرْكِ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِتَعَفُّرِ وُجُوهِكُمْ وَتَقَبُّحِ أَدْبَارِكُمْ - شَيْئًا، اذْكُرُوا اللَّهَ أَعِفَّةً قِيَامًا. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَبِعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ عَصَبِيَّةً، فَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ أَتْبَاعِهِ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَطَيِّئٍ. فَسَارَتْ فَزَارَةُ وَغَطَفَانُ إِلَى جَنُوبِ طِيبَةَ، وَأَقَامَتْ طَيِّئُ عَلَى حُدُودِ أَرَاضِيهِمْ، وَأَسَدٌ بِسُمَيْرَاءَ، وَاجْتَمَعَتْ عَبْسٌ وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدٍ وَمُرَّةُ بِالْأَبْرَقِ مِنَ الرِّبْذَةِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِمْ نَاسٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَلَمْ تَحْمِلْهُمُ الْبِلَادُ فَافْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ، أَقَامَتْ فِرْقَةٌ بِالْأَبْرَقِ، وَسَارَتْ فِرْقَةٌ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ، وَأَمَدَّهُمْ طُلَيْحَةُ بِأَخِيهِ حِبَالٍ، فَكَانَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ مَعَهُمْ مِنِ الدُّئِلِ وَلَيْثٍ وَمُدْلِجٍ، وَأَرْسَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ يَبْذُلُونَ الصَّلَاةَ وَيَمْنَعُونَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ. وَكَانَ عَقَلَ الصَّدَقَةَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَةِ وَرَدَّهُمْ، فَرَجَعَ وَفْدُهُمْ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِقِلَّةِ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ وَأَطْمَعُوهُمْ فِيهَا.
وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ مَسِيرَةِ الْوَفْدِ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَأَلْزَمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِحُضُورِ الْمَسْجِدِ خَوْفَ الْغَارَةِ مِنَ الْعَدُوِّ لِقُرْبِهِمْ، فَمَا لَبِثُوا إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى طَرَقُوا الْمَدِينَةَ غَارَةً مَعَ اللَّيْلِ، وَخَلَّفُوا بَعْضَهُمْ بِذِي حُسًى؛ لِيَكُونُوا لَهُمْ رِدْءًا، فَوَافَوْا لَيْلًا الْأَنْقَابَ وَعَلَيْهَا الْمُقَاتِلَةُ فَمَنَعُوهُمْ، وَأَرْسَلُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِالْخَبَرِ، فَخَرَجَ إِلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ عَلَى النَّوَاضِحِ، فَرَدُّوا الْعَدُوَّ وَاتَّبَعُوهُمْ حَتَّى بَلَغُوا ذَا حُسًى، فَخَرَجَ عَلَيْهِمُ الرِّدْءُ بِأَنْحَاءَ قَدْ نَفَخُوهَا وَفِيهَا الْحِبَالُ، ثُمَّ دَهْدَهُوهَا عَلَى الْأَرْضِ، فَنَفَرَتْ إِبِلُ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ عَلَيْهَا، وَرَجَعَتْ بِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُصْرَعْ مُسْلِمٌ.
وَظَنَّ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ الْوَهَنَ، وَبَعَثُوا إِلَى أَهْلِ ذِي الْقَصَّةِ بِالْخَبَرِ، فَقَدِمُوا عَلَيْهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute