للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]

٥٧٩ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ

ذِكْرُ مُلْكِ صَلَاحِ الدِّينِ آمِدَ وَتَسْلِيمِهَا إِلَى صَاحِبِ الْحِصْنِ

قَدْ ذَكَرْنَا نُزُولَ صَلَاحِ الدِّينِ بِحَرْزَمَ، تَحْتَ مَارِدِينَ، فَلَمْ يَرَ لِطَمَعِهِ وَجْهًا، وَسَارَ عَنْهَا إِلَى آمِدَ، عَلَى طَرِيقِ الْبَارِعِيَّةِ، وَكَانَ نُورُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ قَرَا أَرْسَلَانَ يُطَالِبُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِقَصْدِهَا وَأَخْذِهَا وَتَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ، عَلَى مَا اسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ بَيْنَهُمَا، فَوَصَلَ إِلَى آمِدَ سَابِعَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَنَازَلَهَا، وَأَقَامَ يُحَاصِرُهَا.

وَكَانَ الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِهَا وَالْحَاكِمُ فِيهَا بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ نِيسَانَ، وَكَانَ صَاحِبُهَا لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَعَ ابْنِ نِيسَانَ، فَلَمَّا نَازَلَهَا صَلَاحُ الدِّينِ أَسَاءَ ابْنُ نِيسَانَ التَّدْبِيرَ، وَلَمْ يُعْطِ النَّاسَ مِنَ الذَّخَائِرِ شَيْئًا، وَلَا فَرَّقَ فِيهِمْ دِينَارًا وَلَا قُوتًا، وَقَالَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ: قَاتِلُوا عَنْ نُفُوسِكُمْ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَيْسَ الْعَدُوُّ بِكَافِرٍ حَتَّى يُقَاتِلُوا عَنْ نُفُوسِهِمْ. فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا. وَقَاتَلَهُمْ صَلَاحُ الدِّينِ، وَنَصَبَ الْمَجَانِيقَ، وَزَحَفَ إِلَيْهَا، وَهِيَ الْغَايَةُ فِي الْحَصَانَةِ وَالْمَنْعَةِ، بِهَا وَبِسُورِهَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ، وَابْنُ نِيسَانَ عَلَى حَالِهِ مِنَ الشُّحِّ بِالْمَالِ، وَتَصَرُّفِهِ تَصَرُّفَ مَنْ وَلَّتْ سَعَادَتُهُ وَأَدْبَرَتْ دَوْلَتُهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ تَهَاوَنُوا بِالْقِتَالِ، وَجَنَحُوا إِلَى السَّلَامَةِ.

وَكَانَتْ أَيَّامُ ابْنِ نِيسَانَ قَدْ طَالَتْ، وَثَقُلَتْ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ لِسُوءِ صَنِيعِهِمْ وَمَلَكَتِهِمْ وَتَضْيِيقِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي مَكَاسِبِهِمْ، فَالنَّاسُ كَارِهُونَ لَهَا، مُحِبُّونَ لِانْقِرَاضِهَا. وَأَمَرَ صَلَاحُ الدِّينِ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى السِّهَامِ إِلَى أَهْلِ الْبَلَدِ يَعِدُهُمُ الْخَيْرَ وَالْإِحْسَانَ إِنْ أَطَاعُوهُ، وَيَتَهَدَّدُهُمْ إِنْ قَاتَلُوهُ، فَزَادَهُمْ ذَلِكَ تَقَاعُدًا وَتَخَاذُلًا، وَأَحَبُّوا مُلْكَهُ وَتَرَكُوا الْقِتَالَ، فَوَصَلَ النَّقَّابُونَ إِلَى السُّورِ، فَنَقَبُوهُ وَعَلَّقُوهُ، فَلَمَّا رَأَى الْجُنْدُ وَأَهْلُ الْبَلَدِ ذَلِكَ طَمِعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>