[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ]
١٠٨ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ غَزْوَةِ الْخُتَّلِ وَالْغُورِ
قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَطَعَ أَسَدٌ النَّهْرَ، وَأَتَاهُ خَاقَانُ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قِتَالٌ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَقِيلَ: عَادَ مَهْزُومًا مِنَ الْخُتَّلِ، وَكَانَ أَسَدٌ قَدْ أَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَشْتُوَ بِسُرْخَ دَرَهْ، فَأَمْرَ النَّاسَ فَارْتَحَلُوا، وَوَجَّهَ رَايَاتِهِ، وَسَارَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ إِلَى سُرْخَ دَرَهْ، فَكَبَّرَ النَّاسُ، فَقَالَ: مَا لَهُمْ؟ فَقَالُوا: هَذِهِ عَلَامَتُهُمْ إِذَا قَفَلُوا. فَقَالَ لِلْمُنَادِي: نَادِ إِنَّ الْأَمِيرَ يُرِيدُ غُورِيِّينَ، فَمَضَى إِلَيْهِمْ، فَقَاتَلُوهُمْ يَوْمًا وَصَبَرُوا لَهُمْ. وَبَرَزَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَحْوَزَ لِنَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ: أَنَا حَامِلٌ عَلَى هَذَا الْعِلْجِ، فَلَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَيَرْضَى أَسَدٌ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، وَرَجَعَ سَالِمٌ، فَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ لِنَصْرٍ: أَنَا حَامِلٌ حَمْلَةً أُخْرَى، فَحَمَلَ فَقَتَلَ رَجُلًا آخَرَ، وَجُرِحَ سَالِمٌ، فَقَالَ نَصْرٌ لِسَالِمٍ: قِفْ حَتَّى أَحْمِلَ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلَ حَتَّى خَالَطَ الْعَدُوَّ، فَصَرَعَ رَجُلَيْنِ، وَرَجَعَ جَرِيحًا، وَقَالَ: أَتَرَى مَا صَنَعْنَا يُرْضِيهِ؟ لَا أَرْضَاهُ اللَّهُ! قَالَ: لَا وَاللَّهِ. قَالَ: وَأَتَاهُمَا رَسُولُ أَسَدٍ فَقَالَ: يَقُولُ لَكُمَا الْأَمِيرُ قَدْ رَأَيْتُ مَوْقِفَكُمَا وَقِلَّةَ غَنَائِكُمَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، لَعَنَكُمَا اللَّهُ. فَقَالَ: آمِينَ إِنْ عُدْنَا لِمِثْلِ هَذَا! وَتَحَاجَزُوا.
ثُمَّ عَادُوا مِنَ الْغَدِ، فَاقْتَتَلُوا، وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، وَحَوَى الْمُسْلِمُونَ عَسْكَرَهُمْ، وَظَهَرُوا عَلَى الْبِلَادِ، وَأَسَرُوا وَسَبَوْا وَغَنِمُوا. وَقَدْ كَانَ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ شَدِيدٌ بِالْخُتَّلِ، فَبَعَثَ أَسَدٌ بِكَبْشَيْنِ مَعَ غُلَامٍ لَهُ وَقَالَ: بِعْهُمَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ. فَلَمَّا مَضَى الْغُلَامُ، قَالَ أَسَدٌ: لَا يَشْتَرِيهُمَا إِلَّا ابْنُ الشِّخِّيرِ، وَكَانَ فِي الْمَسَلَحَةِ، فَدَخَلَ حِينَ أَمْسَى فَرَأَى الشَّاتَيْنِ فِي السُّوقِ، فَاشْتَرَاهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ، فَذَبَحَ إِحْدَاهُمَا، وَبَعَثَ بِالْأُخْرَى إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَ الْغُلَامُ أَسَدًا بِالْقِصَّةِ بَعَثَ إِلَى ابْنِ الشِّخِّيرِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute