الْحَسَنِ بَعْدَمَا مَسَّ الْحِزَامُ الطِّبْيَيْنِ. فَانْصَرَفَ عَلِيٌّ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَالِ فَقَالَ: افْتَحُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا الْمَفَاتِيحَ، فَكَسَرَ الْبَابَ وَأَعْطَى النَّاسَ، فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِ طَلْحَةَ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ، وَسُرَّ بِذَلِكَ عُثْمَانُ، وَجَاءَ طَلْحَةُ فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَدْتُ أَمْرًا فَحَالَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ! فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ مَا جِئْتَ تَائِبًا، وَلَكِنْ جِئْتَ مَغْلُوبًا، اللَّهُ حَسِيبُكَ يَا طَلْحَةُ!
[ذكر مَقْتَلِ عُثْمَانَ]
قَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ مَسِيرِ النَّاسِ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ. وَقَدْ تَرَكْنَا كَثِيرًا مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَهَا النَّاسُ ذَرِيعَةً إِلَى قَتْلِهِ لِعِلَلٍ دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ، وَنَذْكُرُ الْآنَ كَيْفَ قُتِلَ، وَمَا كَانَ بَدْءُ ذَلِكَ وَابْتِدَاءُ الْجُرْأَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَتْلِهِ.
فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ إِبِلًا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ قُدِمَ بِهَا عَلَى عُثْمَانَ، فَوَهَبَهَا لِبَعْضِ بَنِي الْحَكَمِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَأَخَذَهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ وَعُثْمَانُ فِي الدَّارِ.
قِيلَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى عُثْمَانَ بِالْمَنْطِقِ جَبَلَةُ بْنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ، مَرَّ بِهِ عُثْمَانُ وَهُوَ فِي نَادِي قَوْمِهِ وَبِيَدِهِ جَامِعَةٌ، فَسَلَّمَ فَرَدَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ جَبَلَةُ: لِمَ تَرُدُّونَ عَلَى رَجُلٍ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟ ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ: وَاللَّهِ لَأَطْرَحَنَّ هَذِهِ الْجَامِعَةَ فِي عُنُقِكَ أَوْ لَتَتْرُكَنَّ بِطَانَتَكَ هَذِهِ الْخَبِيثَةَ: مَرْوَانَ، وَابْنَ عَامِرٍ، وَابْنَ سَعْدٍ، مِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذَمِّهِ وَأَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ. فَاجْتَرَأَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَهُ فِي خُطْبَتِهِ.
قِيلَ: وَخَطَبَ يَوْمًا وَبِيَدِهِ عَصًا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَخْطُبُونَ عَلَيْهَا، فَأَخَذَهَا جَهْجَاهُ الْغِفَارِيُّ مِنْ يَدِهِ وَكَسَرَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ، فَرُمِيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِأَكِلَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute