وَقِيلَ: كَتَبَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى مَنْ بِالْآفَاقِ مِنْهُمْ: إِنْ أَرَدْتُمُ الْجِهَادَ فَهَلُمُّوا إِلَيْهِ فَإِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَفْسَدَهُ خَلِيفَتُكُمْ فَأَقِيمُوهُ. فَاخْتَلَفَتْ قُلُوبُ النَّاسِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَجَاءَ الْمِصْرِيُّونَ - كَمَا ذَكَرْنَا - إِلَى الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ - كَمَا تَقَدَّمَ - فَكَلَّمَاهُمْ فَعَادُوا ثُمَّ رَجَعُوا، فَلَمَّا رَجَعُوا انْطَلَقَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ عَوْدَتِهِمْ، فَأَخْرَجُوا صَحِيفَةً فِي أُنْبُوبَةِ رَصَاصٍ وَقَالُوا: وَجَدْنَا غُلَامَ عُثْمَانَ بِالْبُوَيْبِ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا فِيهِ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ يَأْمُرُ فِيهَا بِجَلْدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُدَيْسٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الْبَيَّاعِ وَحَبْسِهِمْ وَحَلْقِ رُءُوسِهِمْ وَلِحَاهُمْ وَصَلْبِ بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ الصَّحِيفَةُ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ. فَلَمَّا رَأَوْهُ سَأَلُوهُ عَنْ مَسِيرِهِ وَهَلْ مَعَهُ كِتَابٌ فَقَالَ: لَا. فَسَأَلُوهُ فِي أَيِّ شَيْءٍ هُوَ، فَتَغَيَّرَ كَلَامُهُ، فَأَنْكَرُوهُ وَفَتَّشُوهُ وَأَخَذُوا الْكِتَابَ مِنْهُ وَعَادُوا وَعَادَ الْكُوفِيُّونَ وَالْبَصْرِيُّونَ. فَلَمَّا عَادَ أَهْلُ مِصْرَ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَقَالُوا لَهُ: قَدْ كَلَّمْنَا عَلِيًّا وَوَعَدَنَا أَنْ يُكَلِّمَهُ، وَكَلَّمْنَا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ فَقَالَا: لَا نَدْخُلُ فِي أَمْرِكُمْ. وَقَالُوا لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ لِيَحْضُرَ مَعَ عَلِيٍّ عِنْدَ عُثْمَانَ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَوَعَدَهُمْ بِذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَلَى عُثْمَانَ فَاسْتَأْذَنَا لِلْمِصْرِيِّينَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ مَرْوَانُ، فَقَالَ: دَعْنِي أُكَلِّمْهُمْ. فَقَالَ عُثْمَانُ: اسْكُتْ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ! مَا أَنْتَ وَهَذَا الْأَمْرُ؟ اخْرُجْ عَنِّي! فَخَرَجَ مَرْوَانُ. وَقَالَ عَلِيٌّ وَمُحَمَّدٌ لِعُثْمَانَ مَا قَالَ الْمِصْرِيُّونَ، فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ: مَا كَتَبْتُهُ وَلَا عِلْمَ [لِي] بِهِ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: صَدَقَ، هَذَا مِنْ عَمَلِ مَرْوَانَ.
وَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمِصْرِيُّونَ فَلَمْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، فَعَرَفُوا الشَّرَّ فِيهِمْ، وَتَكَلَّمُوا فَذَكَرَ ابْنُ عُدَيْسٍ مَا فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ بِالْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَالِاسْتِئْثَارِ فِي الْغَنَائِمِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: هَذَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. وَذَكَرُوا شَيْئًا مِمَّا أَحْدَثَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالُوا لَهُ: وَخَرَجْنَا مِنْ مِصْرَ وَنَحْنُ نُرِيدُ قَتْلَكَ، فَرَدَّنَا عَلِيٌّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَضَمِنَا لَنَا النُّزُوعَ عَنْ كُلِّ مَا تَكَلَّمْنَا فِيهِ، فَرَجَعْنَا إِلَى بِلَادِنَا فَرَأَيْنَا غُلَامَكَ وَكِتَابَكَ وَعَلَيْهِ خَاتَمُكَ تَأْمُرُ عَبْدَ اللَّهِ بِجَلْدِنَا وَالْمُثْلَةِ بِنَا وَطُولِ الْحَبْسِ.
فَحَلَفَ عُثْمَانُ أَنَّهُ مَا كَتَبَ وَلَا أَمَرَ وَلَا عَلِمَ. فَقَالَ عَلِيٌّ وَمُحَمَّدٌ: صَدَقَ عُثْمَانُ. قَالَ الْمِصْرِيُّونَ: فَمَنْ كَتَبَهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالُوا: فَيَجْتَرِأُ عَلَيْكَ وَيَبْعَثُ غُلَامَكَ وَجَمَلًا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَيَنْقُشُ عَلَى خَاتَمِكَ، وَيَبْعَثُ إِلَى عَامِلِكَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَا أَنْتَ إِلَّا صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ، فَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَقَدِ اسْتَحْقَقْتَ الْخَلْعَ لِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute