[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة]
١٣٦ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ حَجِّ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي مُسْلِمٍ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَتَبَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى السَّفَّاحِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَالْحَجِّ، وَكَانَ مُذْ مَلَكَ خُرَاسَانَ لَمْ يُفَارِقْهَا إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ السَّفَّاحُ يَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْجُنْدِ، فَكَتَبَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ وَتَرْتُ النَّاسَ، وَلَسْتُ آمَنُ عَلَى نَفْسِي. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنْ أَقْبِلْ فِي أَلْفٍ، فَإِنَّمَا أَنْتَ فِي سُلْطَانِ أَهْلِكَ وَدَوْلَتِكَ وَطَرِيقُ مَكَّةَ لَا يَتَحَمَّلُ الْعَسْكَرَ.
فَسَارَ فِي ثَمَانِيَةِ آلَافٍ، فَرَّقَهُمْ فِيمَا بَيْنَ نَيْسَابُورَ وَالرَّيِّ، وَقَدِمَ بِالْأَمْوَالِ وَالْخَزَائِنِ فَخَلَّفَهَا بِالرَّيِّ، وَجَمَعَ أَيْضًا أَمْوَالَ الْجَبَلِ، وَقَدِمَ فِي أَلْفٍ، فَأَمَرَ السَّفَّاحُ الْقُوَّادَ وَسَائِرَ النَّاسِ أَنْ يَتَلَقَّوْهُ، فَدَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى السَّفَّاحِ، فَأَكْرَمَهُ وَأَعْظَمَهُ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ السَّفَّاحَ فِي الْحَجِّ، فَأَذِنَ لَهُ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ، يَعْنِي أَخَاهُ الْمَنْصُورَ، يُرِيدُ الْحَجَّ لَاسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى الْمَوْسِمِ، وَأَنْزَلَهُ قَرِيبًا مِنْهُ.
وَكَانَ مَا بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي مُسْلِمٍ مُتَبَاعِدًا ; لِأَنَّ السَّفَّاحَ كَانَ بَعَثَ أَبَا جَعْفَرٍ إِلَى خُرَاسَانَ بَعْدَمَا صَفَتِ الْأُمُورُ لَهُ وَمَعَهُ عَهْدُ أَبِي مُسْلِمٍ بِخُرَاسَانَ، وَبِالْبَيْعَةِ لِلسَّفَّاحِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَ لَهُمَا أَبُو مُسْلِمٍ وَأَهْلُ خُرَاسَانَ، وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ قَدِ اسْتَخَفَّ بِأَبِي جَعْفَرٍ.
فَلَمَّا رَجَعَ أَخْبَرَ السَّفَّاحَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِي مُسْلِمٍ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو مُسْلِمٍ هَذِهِ الْمَرَّةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لِلسَّفَّاحِ: أَطِعْنِي وَاقْتُلْ أَبَا مُسْلِمٍ، فَوَاللَّهِ إِنَّ فِي رَأْسِهِ لَغُدْرَةً. فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتَ بَلَاءَهُ وَمَا كَانَ مِنْهُ.
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إِنَّمَا كَانَ بِدَوْلَتِنَا، وَاللَّهِ لَوْ بَعَثْتَ سِنَّوْرًا لَقَامَ مَقَامَهُ، وَبَلَغَ مَا بَلَغَ. فَقَالَ: كَيْفَ نَقْتُلُهُ؟ قَالَ: [إِذَا] دَخَلَ عَلَيْكَ وَحَادَثْتَهُ ضَرَبْتُهُ أَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute