للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: وَمَنْ وَافِدُكِ؟ قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ! فَمَنَّ عَلَيْهَا، وَإِلَى جَانِبِهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: سَلِيهِ حُمْلَانًا. فَسَأَلَتْهُ، فَأَمَرَ لَهَا بِهِ وَكَسَاهَا، وَأَعْطَاهَا نَفَقَةً» . قَالَ عَدِيٌّ: وَكُنْتُ مَلِكَ طَيِّئٍ آخُذُ مِنْهُمُ الْمِرْبَاعَ وَأَنَا نَصْرَانِيٌّ، فَلَمَّا قَدِمَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَرَبْتُ إِلَى الشَّامِ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَقُلْتُ: أَكُونُ عِنْدَ أَهْلِ دِينِي، فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ إِذْ جَاءَتْ أُخْتِي، وَأَخَذَتْ تَلُومُنِي عَلَى تَرْكِهَا وَهَرَبِي بِأَهْلِي دُونَهَا، ثُمَّ قَالَتْ لِي: أَرَى أَنْ تَلْحَقَ بِمُحَمَّدٍ سَرِيعًا، فَإِنْ كَانَ نَبِيًّا كَانَ لِلسَّابِقِ فَضْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مَلِكًا كُنْتَ فِي عِزٍّ وَأَنْتَ أَنْتَ. قَالَ: «فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَعَرَّفْتُهُ نَفْسِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلِّمُهُ فِي حَاجَتِهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِمَلِكٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَهُ فَأَجْلَسَنِي عَلَى وِسَادَةٍ، وَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا هَذَا مَلِكٌ. فَقَالَ لِي: يَا عَدِيُّ، إِنَّكَ تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ وَهُوَ لَا يَحِلُّ فِي دِينِكَ، وَلَعَلَّكَ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْإِسْلَامِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِنَا وَكَثْرَةِ عَدُوِّنَا، وَاللَّهِ لَيَفِيضَنَّ الْمَالُ فِيهِمْ حَتَّى لَا يُوجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ، وَوَاللَّهِ لَتَسْمَعَنَّ بِالْمَرْأَةِ تَسِيرُ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرِهَا حَتَّى تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ، لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَوَاللَّهِ لَتَسْمَعَنَّ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ بَابِلَ وَقَدْ فُتِحَتْ. قَالَ: فَأَسْلَمْتُ، فَقَدْ رَأَيْتُ الْقُصُورَ الْبِيضَ وَقَدْ فُتِحَتْ، وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ إِلَى الْبَيْتِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَوَاللَّهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ لَيَفِيضَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ» .

[ذِكْرُ قُدُومِ الْوُفُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]

لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ، وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ - ضَرَبَتْ إِلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَنْتَظِرُ بِإِسْلَامِهَا قُرَيْشًا؛ إِذْ كَانُوا أَمَامَ النَّاسِ، وَأَهْلَ الْحَرَمِ، وَصَرِيحَ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تُنْكِرُ الْعَرَبُ ذَلِكَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي نَصَبَتِ الْحَرْبَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخِلَافَهُ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ وَأَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ عَرَفَتِ الْعَرَبُ أَنَّهَا لَا طَاقَةَ لَهَا بِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَدَاوَتِهِ، فَدَخَلُوا فِي الدِّينِ أَفْوَاجًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: ١ - ٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>