للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]

(٥٤٣)

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ

ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ مَدِينَةَ الْمَهْدِيَّةِ بِإِفْرِيقِيَّةَ

قَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ مَسِيرَ أَهْلِ يُوسُفَ، وَصَاحِبِ قَابِسَ، إِلَى رُجَّارَ، مَلِكِ صِقِلِّيَةَ، وَاسْتِغَاثَتَهُمْ بِهِ، فَغَضِبَ لِذَلِكَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ تَمِيمِ بْنِ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ الصَّنْهَاجِيِّ، صَاحِبِ إِفْرِيقِيَّةَ، صُلْحٌ وَعُهُودٌ إِلَى مُدَّةِ سَنَتَيْنِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ فَاتَهُ فَتْحُ الْبِلَادِ فِي هَذِهِ الشِّدَّةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ، وَكَانَتِ الشِّدَّةُ دَوَامَ الْغَلَاءِ فِي جَمِيعِ الْمَغْرِبِ مِنْ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ أَشَدُّ ذَلِكَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، فَإِنَّ النَّاسَ فَارَقُوا الْبِلَادَ وَالْقُرَى، وَدَخَلَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى مَدِينَةِ صِقِلِّيَةَ، وَأَكَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَكَثُرَ الْمَوْتُ فِي النَّاسِ، فَاغْتَنَمَ رُجَّارُ هَذِهِ الشِّدَّةَ، فَعَمَّرَ الْأُسْطُولَ، وَأَكْثَرَ مِنْهُ، فَبَلَغَ نَحْوَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ شِينِيًّا مَمْلُوءَةً رِجَالًا وَسِلَاحًا وَقُوتًا.

وَسَارَ الْأُسْطُولُ عَنْ صِقِلِّيَةَ، وَوَصَلَ إِلَى جَزِيرَةِ قَوْصَرَةَ، وَهِيَ بَيْنَ الْمَهْدِيَّةِ وَصِقِلِّيَةَ، فَصَادَفُوا بِهَا مَرْكَبًا وَصَلَ مِنَ الْمَهْدِيَّةِ، فَأُخِذَ أَهْلُهُ وَأُحْضِرُوا بَيْنَ يَدَيْ جُرْجِي مُقَدَّمِ الْأُسْطُولِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ حَالِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَوَجَدَ فِي الْمَرْكَبِ قَفَصَ حَمَامٍ، فَسَأَلَهُمْ هَلْ أَرْسَلُوا مِنْهَا، فَحَلَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يُرْسِلُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَأَمَرَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ الْحَمَّامُ صُحْبَتَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِخَطِّهِ: إِنَّنَا لَمَّا وَصَلْنَا جَزِيرَةَ قَوْصَرَةَ وَجَدْنَا بِهَا مَرَاكِبَ مِنْ صِقِلِّيَةَ، فَسَأَلْنَاهُمْ عَنِ الْأُسْطُولِ الْمَخْذُولِ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ أَقْلَعَ إِلَى جَزَائِرِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>