[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ]
٢٠٤ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ
ذِكْرُ قُدُومِ الْمَأْمُونِ بَغْدَاذَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ الْمَأْمُونُ بَغْدَاذَ، وَانْقَطَعَتِ الْفِتَنُ، وَكَانَ قَدْ أَقَامَ بِجُرْجَانَ شَهْرًا، وَجَعَلَ يُقِيمُ بِالْمَنْزِلِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَأَقَامَ بِالنَّهْرَوَانِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُ بَيْتِهِ وَالْقُوَّادُ، وَوُجُوهُ النَّاسِ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ.
وَكَانَ قَدْ كَتَبَ إِلَى طَاهِرٍ وَهُوَ بِالرَّقَّةِ لِيُوَافِيَهُ بِالنَّهْرَوَانِ، فَأَتَاهُ بِهَا، وَدَخَلَ بَغْدَاذَ مُنْتَصَفَ صَفَرٍ، وَلِبَاسُهُ وَلِبَاسُ أَصْحَابِهِ الْخُضْرَةُ، فَلَمَّا قَدِمَ بَغْدَاذَ نَزَلَ الرُّصَافَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ وَنَزَلَ قَصْرَهُ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ، وَأَمَرَ الْقُوَّادَ أَنْ يُقِيمُوا فِي مُعَسْكَرِهِمْ.
وَكَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فِي الثِّيَابِ الْخُضْرِ، وَكَانُوا يُخَرِّقُونَ كُلَّ مَلْبُوسٍ يَرَوْنَهُ مِنَ السَّوَادِ عَلَى إِنْسَانٍ، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَتَكَلَّمَ بَنُو الْعَبَّاسِ وَقُوَّادُ أَهْلِ خُرَاسَانَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ أَمَرَ طَاهِرَ بْنَ الْحُسَيْنِ أَنْ يَسْأَلَهُ حَوَائِجَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ حَاجَةٍ سَأَلَهُ أَنْ يَلْبَسَ السَّوَادَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَجَلَسَ لِلنَّاسِ، وَأَحْضَرَ سَوَادًا فَلَبِسَهُ، وَدَعَا بِخُلْعَةٍ سَوْدَاءَ فَأَلْبَسَهَا طَاهِرًا، وَخَلَعَ عَلَى قُوَّادِهِ بِالسَّوَادِ، فَعَادَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ.
وَلَمَّا كَانَ سَائِرًا قَالَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْوَلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَّرْتَ فِي هُجُومِنَا عَلَى أَهْلِ بَغْدَاذَ وَلَيْسَ مَعَنَا إِلَّا خَمْسُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، مَعَ فِتْنَةٍ غَلَبَتْ قُلُوبَ النَّاسِ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُنَا إِذَا هَاجَ هَائِجٌ، أَوْ تَحَرَّكَ مُتَحَرِّكٌ؟ فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ صَدَقْتَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute