للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

١٦١ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

ذِكْرُ هَلَاكِ الْمُقَنَّعِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ مُعَاذُ بْنُ مُسْلِمٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْقُوَّادِ وَالْعَسَاكِرِ إِلَى الْمُقَنَّعِ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ سَعِيدٌ الْحَرَشِيُّ، وَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مِنْ زَمٍّ، فَاجْتَمَعَ بِهِ بِالطَّوَاوِيسِ، وَأَوْقَعُوا بِأَصْحَابِ الْمُقَنَّعِ، فَهَزَمُوهُمْ، فَقَصَدَ الْمُنْهَزِمُونَ إِلَى الْمُقَنَّعِ بِسَنَامَ فَعَمِلَ خَنْدَقَهَا وَحَصَّنَهَا، وَأَتَاهُمْ مُعَاذٌ فَحَارَبَهُمْ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَشِيِّ نَفْرَةٌ.

فَكَتَبَ الْحَرَشِيُّ إِلَى الْمَهْدِيِّ يَقَعُ فِي مُعَاذٍ، وَيَضْمَنُ لَهُ الْكِفَايَةَ إِنْ أَفْرَدَهُ بِحَرْبِ الْمُقَنَّعِ، فَأَجَابَهُ الْمَهْدِيُّ إِلَى ذَلِكَ، فَانْفَرَدَ الْحَرَشِيُّ بِحَرْبِهِ، وَأَمَدَّهُ مُعَاذٌ بِابْنِهِ رَجَاءٍ فِي جَيْشٍ، وَبِكُلِّ مَا الْتَمَسَهُ مِنْهُ.

وَطَالَ الْحِصَارُ عَلَى الْمُقَنَّعِ، فَطَلَبَ أَصْحَابُهُ الْأَمَانَ سِرًّا مِنْهُ، فَأَجَابَهُمُ الْحَرَشِيُّ إِلَى ذَلِكَ، فَخَرَجَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَبَقِيَ مَعَهُ زُهَاءَ أَلْفَيْنِ مِنْ أَرْبَابِ الْبَصَائِرِ. وَتَحَوَّلَ رَجَاءُ بْنُ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُ فَنَزَلُوا خَنْدَقَ الْمُقَنَّعِ فِي أَصْلِ الْقَلْعَةِ، وَضَايَقُوهُ.

فَلَمَّا أَيْقَنَ بِالْهَلَاكِ جَمَعَ نِسَاءَهُ وَأَهْلَهُ، وَسَقَاهُمُ السُّمَّ، فَأَتَى عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَ أَنْ يُحْرَقَ هُوَ بِالنَّارِ لِئَلَّا يُقْدَرَ عَلَى جُثَّتِهِ.

وَقِيلَ: بَلْ أَحْرَقَ كُلَّ مَا فِي قَلْعَتِهِ مِنْ دَابَّةٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْتَفِعَ مَعِي إِلَى السَّمَاءِ فَلْيُلْقِ نَفْسَهُ مَعِي فِي هَذِهِ النَّارِ! وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ مَعَ أَهْلِهِ، وَنِسَائِهِ، وَخَوَاصِّهِ، فَاحْتَرَقُوا، وَدَخَلَ الْعَسْكَرُ الْقَلْعَةَ، فَوَجَدُوهَا خَالِيَةً خَاوِيَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>