وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا زَادَ فِي افْتِتَانِ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَالَّذِينَ يُسَمَّوْنَ الْمُبَيِّضَةَ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِلَّا أَنَّهُمْ يُسِرُّونَ (اعْتِقَادَهُمْ) ، وَقِيلَ: بَلْ شَرِبَ هُوَ أَيْضًا مِنَ السُّمِّ، فَمَاتَ، فَأَنْفَذَ الْحَرَشِيُّ رَأْسَهُ إِلَى الْمَهْدِيِّ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِحَلَبَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ (فِي غَزَوَاتِهِ) .
ذِكْرُ تَغَيُّرِ حَالِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تَغَيَّرَتْ حَالُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ وَزِيرِ الْمَهْدِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ سَبَبَ اتِّصَالِهِ بِهِ أَيَّامَ الْمَنْصُورِ، وَمَسِيرَهُ مَعَهُ إِلَى خُرَاسَانَ، فَحَكَى الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ أَنَّ الْمَوَالِيَ كَانُوا يَقَعُونَ فِي أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ الْمَهْدِيِّ وَيُحَرِّضُونَهُ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ كُتُبُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ تَرِدُ عَلَى الْمَنْصُورِ بِمَا يَفْعَلُ، وَيَعْرِضُهَا عَلَى الرَّبِيعِ، وَيَكْتُبُ الْكُتُبَ إِلَى الْمَهْدِيِّ بِالْوَصَاةِ بِهِ، وَتَرْكِ الْقَوْلِ فِيهِ.
ثُمَّ إِنَّ الرَّبِيعَ حَجَّ مَعَ الْمَنْصُورِ حِينَ مَاتَ، وَفَعَلَ فِي بَيْعَةِ الْمَهْدِيِّ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَمَّا قَدِمَ جَاءَ إِلَى بَابِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ، قَبْلَ الْمَهْدِيِّ، وَقَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ الْفَضْلُ: تَتْرُكُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْزِلَكَ وَتَأْتِيهِ! قَالَ: هُوَ صَاحِبُ الرَّجُلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ نُعَامِلَهُ غَيْرَ مَا كُنَّا نُعَامِلُهُ بِهِ، وَنَتْرُكَ ذِكْرَ نُصْرَتِنَا لَهُ.
فَوَقَفَ عَلَى بَابِهِ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى أَنْ صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَلَمْ يَقُمْ لَهُ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَلَمْ يَجْلِسْ، وَلَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَأَرَادَ الرَّبِيعُ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي أَمْرِ الْبَيْعَةِ، فَقَالَ: قَدْ بَلَغَنَا أَمْرُكُمْ، فَأَوْغَرَ صَدْرَ الرَّبِيعِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ. (قَالَ لَهُ ابْنُهُ الْفَضْلُ: لَقَدْ بَلَغَ فِعْلُ هَذَا بِكَ مَا فَعَلَ، وَكَانَ الرَّأْيُ أَنْ لَا تَأْتِيَهُ، وَحَيْثُ أَتَيْتَهُ وَحَجَبَكَ أَنْ تَعُودَ، وَحَيْثُ دَخَلْتَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقُمْ لَكَ أَنْ تَعُودَ) .
فَقَالَ لِابْنِهِ: أَنْتَ أَحْمَقُ حَيْثُ تَقُولُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِيءَ، وَحَيْثُ جِئْتَ وَحُجِبْتَ أَنْ تَعُودَ، وَلَمَّا دَخَلْتَ فَلَمْ يَقُمْ لَكَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعُودَ، وَلَمْ يَكُنِ الصَّوَابُ إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute