[ذِكْرُ غَزْوَةِ بَنِي الْقَيْنُقَاعِ]
لَمَّا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَدْرٍ أَظْهَرَتْ يَهُودُ لَهُ الْحَسَدَ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَبَغَوْا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ، وَكَانَ قَدْ وَادَعَهُمْ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا.
فَلَمَّا بَلَغَهُ حَسَدُهُمْ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَقَالَ لَهُمْ: احْذَرُوا مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ وَأَسْلِمُوا، فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيٌّ مُرْسَلٌ. فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَا يَغُرَّنَّكَ أَنَّكَ لَقِيتَ قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ، فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فُرْصَةً.
فَكَانُوا أَوَّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى مُجَاهَرَتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ إِذْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ إِلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَتْ عِنْدَ صَائِغٍ لِأَجْلِ حُلِيٍّ لَهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَخَلَّ دِرْعَهَا إِلَى ظَهْرِهَا، وَهِيَ لَا تَشْعُرُ، فَلَمَّا قَامَتْ بَدَتْ عَوْرَتُهَا، فَضَحِكُوا مِنْهَا، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ، وَنَبَذُوا الْعَهْدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحَصَّنُوا فِي حُصُونِهِمْ، فَغَزَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَاصَرَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَكُتِّفُوا وَهُوَ يُرِيدُ قَتْلَهُمْ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ فَكَلَّمَهُ فِيهِمْ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: وَيَحْكَ أَرْسِلْنِي. فَقَالَ: لَا أُرْسِلُكَ حَتَّى تُحْسِنَ إِلَى مَوَالِيَّ، أَرْبَعُمِائَةِ حَاسِرٍ، وَثَلَاثُمِائَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَخْشَى الدَّوَائِرَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ لَكَ، خَلُّوهُمْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَعَنَهُ مَعَهُمْ.
وَغَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَرَضُونَ إِنَّمَا كَانُوا صَاغَةً، وَكَانَ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيُّ، فَبَلَغَ بِهِمْ ذِبَابَ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى أَذْرِعَاتٍ مِنْ أَرْضِ الِشَّامِ، فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى هَلَكُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute